للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: [١] أنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ:

كُنْتُ لِلإِسْلامِ مُجَانِبًا مُعانِدًا. حَضَرْتُ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَنَجَوْتُ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ فَنَجَوْتُ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَمْ أُوضَعُ، وَاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ مُحَمَّدٌ عَلَى قُرَيْشٍ. فَلَحِقْتُ بِمَالِي بِالْوَهْطِ [٢] . فَلَمَّا كَانَ الصُّلْحُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، جَعَلْتُ أَقُولُ، يَدْخُلُ [٣] مُحَمَّدٌ قَابِلا مَكَّةَ بِأَصْحَابِهِ، مَا مَكَّةُ بِمَنْزِلٍ وَلا الطّائف، وما شيء خير مِنَ الْخُرُوجِ. فَقَدِمتُ مَكَّةَ فَجَمَعْتُ رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، فَقُلْتُ: تَعَلَّمُوا [٤]- وَاللَّهِ- إِنِّي لأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوًّا مُنْكَرًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا. قَالُوا: وما هو؟ قلت: نلحق بالنّجاشيّ فنكون معه، فإن يظهر محمد كنّا عند النّجاشيّ، [فنكون تحت يد النّجاشيّ] [٥] ، وأحبّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدِ مُحَمَّدٍ. وَإِنْ تَظْهَرْ قُرَيْشٌ فَنَحْنُ مَنْ عَرَفُوا. قَالُوا: هَذَا الرَّأْيُ. قُلْتُ: فَاجْمَعُوا مَا تُهْدُونَهُ لَهُ. وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأَدَمُ.

فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُ، فَأَنَا لَعِنْدَهُ، إِذْ جَاءَ عَمْرُو ابن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيُزَوِّجَهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبي


[١] المغازي ٢/ ٧٤٢.
[٢] الوهط: بستان عظيم كان لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من وجّ، وهو كرم موصوف.
[٣] في الأصل، ع: يا رجل. والتصحيح من المغازي للواقدي (٢/ ٧٤٢) والبداية والنهاية (٤/ ٢٣٦) .
[٤] (تعلّموا) فعل أمر بمعنى (اعلموا) ولا يستعمل ماضيا ولا مضارعا بهذا المعنى. وقوله (إنّي لأرى.. إلخ) جملة محتوية على لام الابتداء التي تقتضي تعليق الفعل. ولهذا كسرت همزة (إنّ) ولم تكسر في التي بعدها لعدم التعليق. وقد حرّف بعض المؤلّفين والنّساخ والمحقّقين هذه الكلمة إلى (تعلّمون) مع أنّ السياق ينكرها.
[٥] زيادة من الواقدي (٢/ ٧٤٢) .