سفيان [٨٠ أ] فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: لَوْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَسَأَلْتُهُ [١] هَذَا فَأَعْطَانِيهِ لَقَتَلْتُهُ لأُسِرَّ بِذَلِكَ قُرَيْشًا. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي، أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلادِكَ شَيْئًا؟ قُلْتُ:
نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَهْدَيْتُ لَكَ أَدَمًا. وَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ، فَفَرَّقَ مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بَطَارِقَتِهِ. ثُمَّ قُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ رَسُولُ عدوّ لنا قد وترنا وقتل أشرافنا، فأعطينه فَأَقْتُلَهُ. فَغَضِبَ وَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَسَرَهُ، فَابْتَدَرَ مَنْخَرَاي فَجَعَلْتُ أَتَلَقَّى الدَّمَ بِثِيَابِي. فَأَصَابَنِي مِنَ الذُّلِّ مَا لَوِ انْشَقَّتْ لِي الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ.
ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ: لَوْ ظَنَنْتَ أَنَّكَ تَكْرَهُ مَا قُلْتُ مَا سَأَلْتُكَهُ. قَالَ:
فَاسْتَحَى وَقَالَ: يَا عَمْرُو، تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ مَنْ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ لِتَقْتُلَهُ؟ قَالَ عَمْرٌو: وَغَيَّرَ اللَّهُ قَلْبِي عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقَّ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ وَتُخَالِفُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَيُّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ يا عمرو، فأطعني واتّبعه، فو الله إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ. قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الإِسْلامِ؟
قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَنِي عَلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ دَعَا بَطَسْتٍ، فَغَسَلَ عَنِّي الدَّمَ، وَكَسَانِي ثِيَابًا، وَكَانَتْ ثِيَابِي قَدِ امْتَلأَتْ بِالدَّمِ فَأَلْقَيْتُهَا.
وَخَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي- فَلَمَّا رَأَوْا كِسْوَةَ النَّجَاشِيِّ سُرُّوا بِذَلِكَ وَقَالُوا:
هَلْ أَدْرَكْتَ مِنْ صَاحِبِكَ مَا أَرَدْتَ؟ فَقُلْتُ: كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَقُلْتُ أَعُودُ إِلَيْهِ- فَفَارَقْتُهُمْ، وَكَأَنِّي أَعْمِدُ لِحَاجَةٍ- فَعَمَدْتُ إِلَى موضع السفن
[١] في الأصل، ع: «لو دخلت على النّجاشيّ لو سألت النّجاشيّ هذا..» وقد عدلنا بالعبارة إلى ما أثبتناه وهو قريب من عبارة الواقدي وابن هشام. (٣/ ٢٩٦) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute