للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما رأي الناسُ ثانيَ المتنبّي ... أيُّ ثانٍ يُرَى لِبِكْرِ الزّمان

كان في [١] نفسه الكبير في جيشٍ ... وفي كِبْرياءٍ ذي سُلطْان

كان في شعره نبيًّا [٢] ولكنْ ... ظهرت مُعجزاتُه في المعاني [٣]

وقيل إنه قال شيئًا في عَضُدِ الدولة، فدسّ عليه من قتله، لأنّه لما وفد عليه وَصَله بثلاثة آلاف دينار وثلاثة أفراس مُسْرَجَة مُحلاة وثياب مُفْتَخَرة، ثم دسّ عليه من سأله: أين هذا العطاء من عطاء سيف الدولة؟ فقال: هذا أجْزَل إلّا أنّه عطاءُ مُتَكَلَّفٍ، وسيف الدولة كان يُعطي طبْعًا، فغضب عَضُدُ الدولة، فلما انصرف جهّز عليه قومًا من بني ضبّة، فقتلوه بعد أن قاتل قتالًا شديدًا، ثم أنهزم، فقال له غلامه: أين قولك:

الخَيْلُ واللَّيْلُ والبَيْدَاءُ تعرِفُنيِ ... والحربُ والضَرْبُ والقِرْطَاسُ والقَلَمُ [٤]

فقال: قتلتني قاتلك الله، ثم قاتل حتى قُتل.

وقال ضياء الدين نصر الله بن الأثير: سافرت إلى مصر ورأيت الناس يشتغلون بشعر المتنبّي، فسألت القاضي الفاضل فقال: إنّ أبا الطيّب ينطق عن خواطر الناس.

وقال صاحب اليتيمة [٥] : استنشد سيفُ الدولة أبا الطيّبِ قصيدَتَه الميميّة وكانت تعجبه، فلما قال له:

وقفت وما في الموت شكُّ لِوَاقِف ... كأنَّك في جفْن الرَّدَى وهو نائمُ

تمرُّ بك الأبطالُ كَلْمَى هَزِيمةً ... ووجْهُك وضّاحٌ وثغْرُك باسِمُ

فقال: قد انتقدنا عليك من البيتين كما انْتُقِد على امرئ القيس قوله:


[١] وقيل «من» .
[٢] وقيل: «هو في شعره نبيّ» .
[٣] الأبيات في اليتيمة ١/ ١٨٩، ووفيات الأعيان ١/ ١٢٤.
[٤] ويروى: «والضرب والطعن..» وهو من قصيدة ميمية قالها في مجلس سيف الدولة ومطلعها:
واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم»
(شرح العكبريّ ٣/ ٣٦٢ و ٣٦٩) .
[٥] يتيمة الدهر ١/ ١٦.