للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنّي لم أركبُ جوادًا ولم أَقُلْ ... لخيلي كرّي كَرَّةً بعد إجفالٍ [١]

ولم أسبأ الزّقَّ الرَّوِيَّ للذَّةٍ ... ولم أتبَطّن كاعِبًا ذات خلخالٍ

ولك أن تقول الشطر الثاني من البيت الثاني مع الشطر الأول وشطره مع الثاني. فقال: أيَّدك الله إنْ صح أنّ الذي استَدْرَكَ على امرئ القَيْس أعلمُ بالشِعْر منه، فقد أخطأ امرؤ القيس، وأنا، ومولانا يعرف أنّ الثوب لا يعرفه البزّاز معرفة الحائك، لأنّ البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف جملته وتفاريقه، لأنْه هو الذي أخرجه من الغزْل إلى الثوبيّة، وإنّما قرن امرؤ القيس لذَّةَ النساء بلذَة الركُوب إلى الصَّيْد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء. وأنا لما ذكرت الموتَ في أول البيت أتْبَعْتُه بذِكْر الرَّدَى وهو الموت لتَجَانُسِه، ولما كان وجه المنهزِم لا يخلو من أن يكون عَبُوسًا وعينه من أن تكون باكية. قلت: (ووجهُك وضّاح وثغْرُك باسِمُ) لأجمع بين الأضداد في المعنى، وإنْ لم يتَّسع اللفْظُ لجمعِها. فأُعجِب سيفُ الدولة بقوله، ووصله بخمسمائة دينار [٢] .

وكان المتنبّي آيةٌ في اللغة وغريبها، يقال: إنّ أبا عليّ الفارسيّ سأله فقال: كم لنا من الجموع على وزن فَعْلَى؟ فقال لوقته. جحلى وظِرْبَى. قال أبو علي: فطالعت كُتُب اللغة ثلاث ليالٍ على أن أجد لهذين الجمعين ثالثا فلم أجد، وجحلى جمع جحل، وهو طائر معروف، وظربى جمع ظربان وهي دُوَيبة منتنة الرّيح.

ومن قوله الفائق:

رماني الدهْرُ بالأرْزاء حتّى ... فؤادِي في غشاء من نِبَالِ

فصرْتُ إذا أصابتني سهام ... تكسّرتِ النِّصالُ على النّصال [٣]


[١] في الأصل (إجفالي) والتصويب عن: شرح الأشعار الستة الجاهلية ج ١/ ١٣٨ للوزير أبي بكر بن البطليوسي. تحقيق ناصيف عواد. بغداد سنة ١٩٧٩.
[٢] يتيمة الدهر ١/ ١٦، ١٧.
[٣] ديوانه بشرح العكبريّ ٣/ ٩. ومطلع القصيدة:
نعدّ المشرفيّة والعوالي ... وتقتلنا المنون بلال قتال