للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَيْهِ، وأجلسته إلى جنبي، فجلس غير مكترث، فقلت: إنّ هذا الملك جبّار عظيم، وما أوثر لك مخالفة أمره، وإني مُوَصِّلُك إِلَيْهِ، فقبِّلِ الْأرض وتلطف لَهُ، واستعن باللَّه عَلَيْهِ، فَقَالَ: الخلق والأمر للَّه، فمضيت بِهِ إلى حجرة، وقد جلس فيها وحده، فأوقفته، ثم دخلت لاستأذن، فإذا هُوَ إلى جانبي قد حوّل وجهه إلى نحو دار فخر الدولة، ثم استفتح وقرأ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ ١١: ١٠٢ [١] قَالَ: ثم حوَّل وجهه، وقرأ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ١٠: ١٤ [٢] فأتى بالعجب، ففتح [٣] عين الملك، وما رَأَيْت ذَلِكَ [منه] قطّ، وترك [٤] كُمَّه عَلَى وجهه، فلما خرج أَبُو الْحُسَيْن قَالَ الملك: اذهب إِلَيْهِ بثلاثة آلاف درهم، وعشرة أثواب من الخزانة، فإن امتنع فقل لَهُ: فرِّقها فِي أصحابك، وإن قبلها، فجئني برأسه، ففعلت، فَقَالَ: إن ثيابي هذه من نحو أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند رجوعي، وفيها متعة وبقيّة ما بقيت، ونفقتي من أجره دار خلَّفها أَبِي، فما أصنع بهذا؟ فقلت: فرقها عَلَى أصحابك، فَقَالَ، ما فِي أصحابي فقير، فعدت فأخبرته، فَقَالَ: الحمد للَّه الَّذِي سلَّمه منّا وسلَّمنا منه.

وقَالَ أَبُو سَعِيد النّقّاش: كَانَ ابن سمعون يرجع إلى علْم القرآن، وعلْم الظاهر، متمسكًا بالكتاب والسُّنّة، لقيته وحضرت مجلسه، سَمِعْتُهُ يسأل عَنْ قوله: «أَنَا جليس من ذكرني» ، قَالَ، أَنَا صائنه عَنِ المعصية، أَنَا معه حيث يذكرني، أَنَا مُعِينُه.

وقَالَ السُّلَمي: سَمِعْتُ ابن سمعون، وسُئل عن التصوُّف، فَقَالَ: أمّا الْأسم فَتَرْك الدُّنيا وأهلها، وأمّا حقيقة التصوُّف فنسيان الدُّنيا ونيسان أهلها، وسمعته يَقُولُ: أحق الناس يوم القيامة بالخسارة أهل الدَّعَاوي والإشارة.

وقَالَ أَبُو النجيب الْأمويّ: سَأَلت أَبَا ذَرّ: هَلِ اتَّهمت ابن سمعون بشيء؟ فَقَالَ: بلغني أَنَّهُ رَوَى جزءًا عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي دَاوُد، كَانَ عليه


[١] قرآن كريم- سورة هود- الآية ١٠٢.
[٢] سورة يونس- الآية ١٤.
[٣] في سير أعلام النبلاء ١٦/ ٥٠٩ «فدمعت» .
[٤] في البيتر: «شرك» .