للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانوا في أوائل الأمر يخطبون له ويُدَارونه حتَّى تمكَّنوا. ثُمّ راسلهم الخليفة فكان رسوله إليهم قاضي القُضاة أبو الحسن الماوَرْدِيّ.

ثُمَّ إنّ طغرلبك طوى الممالك وملك العراق في سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وعَدَلَ في النَّاس. وكان حليمًا كريمًا مُحافِظًا على الصَّلوات في جماعة. يصوم الخميس والاثنين ويَعْمُر المساجد ويُكثِر الصَّدَقات.

وقد سيَّر الشَّريف ناصر بن إسماعيل رسولًا إلى مَلِكة الرّوم، فاستأذنها الشَّريفُ في الصَّلاة بجامع القُسْطَنْطِينّيّة جماعة، فأذنت له. فصلَّى وخطب للَأمام القائم. وكان رسول المستنصر خليفة مصر حاضرا، ف [أنكر] [١] ذلك.

وكان ذلك من أعظم الأسباب في فساد الحال بين المصريين والرُّوم.

ولمَّا تمهّدت البلاد لطُغْرُلْبَك سيَّر إلى الخليفة القائم يخطب ابنته فشقَّ ذلك على الخليفة واستعفى، ثُمَّ لم يجد بُدًّا، فزوَّجه بها. ثُمّ قَدِمَ بغداد في سنة خمسٍ وخمسين، وأرسل يطلبها، وحمل مائة ألف دينار برسم نقل جهازها، فعُمِل العُرس في صَفَر بدار المملكة وأُجلِست على سرير مُلبَّس بالذَّهب. ودخل السُّلطان إليها فقبَّل الأرض بين يديها، ولم يكشف البرقع عن وجهها إذ ذاك، وقدَّم لها تُحَفًا، وخَدَم وانصرف فرِحًا مسرورًا [٢] . وبعث إليها بعُقْدَين فاخرين، وخسروانيّ ذهب، وقطعة ياقوت كبيرة.

ثمّ دخل من الغد، فقبّل الأرض، وجلس مقابلها على سريرٍ ساعة، وخرج وبعث لها جواهر وفُرْجيَّة نسيج مُكلَّلَة باللُّؤْلؤ ومخنقة منسوجة باللُّؤْلؤ. وفعل ذلك مرَّةً أخرى أو أكثر، والخليفة صابرٌ متألِّم، ولكنَّهُ لم يُمتَّع بعد ذلك، فإنَّهُ تُوُفّي بعد ذلك بأشهر في رمضان بالرّيّ. وعاش سبعين سنة.

وحُمِل تابوته فدُفِن بمرو عند قبر أخيه داود. وقيل: بل دُفِن بالرّيّ.

وانتقل مُلْكُهُ إلى ابن أخيه ألب أرسلان.


[١] في الأصل بياض، والمستدرك من سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٠٩.
[٢] وفيات الأعيان ٥/ ٦٦، ٦٧.