للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخالف أرسُطْوطاليس واضعَه مخالفة مَنْ لم يَفْهَم غَرَضَه، ولا أرتاض. ومال أوّلًا إلى النظر على رأي الشّافعيّ، وناضل عن مذهبه حتَّى وسم به، فاستهدف بذلك لكثير من الفُقَهاء، وعِيب بالشُّذُوذ، ثم عدل إلى قول أصحاب الظّاهر، فنقَّحه، وجادل عنه، وثَبُتَ عليه إلى أن مات.

وكان يحمل علمه هذا، ويُجادل مَنْ [١] خَالَفَهُ على استرسالٍ في طباعه، وبذلٍ [٢] لَأسراره، واستنادٍ إلى العهد الّذي أخذه اللَّه تعالى على العُلماء لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ٣: ١٨٧ [٣] . فلم يكُ يلطف صَدْعَه بما عنده بتعريض ولا بتدريج [٤] ، بل يصَكُّ به معارضة [٥] صكَّ الْجَنْدَل [٦] ، ويُنْشِقهُ إنشاق [٧] الخردل، فتنفر عنه القلوب، وتوقع به النّدوب، حتى استُهدِف إلى فقهاء وقته، فتمالئوا عليه، وأجمعوا على قتلِه [٨] ، وشنَّعوا عليه، وحذَّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامَّهم عن الدُّنُو منه، فطَفِقَ المُلوك يُقْصُونه عن قُرْبِهم، ويُسيِّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره بلده [٩] من بادية لَبلَة، وهو في ذلك غير مرتدعٍ ولا راجع، يبثُّ علمه فيمن ينتابه من بادية بلده، من عامَّة المُقتبسين، فهم من أصاغر الطَّلبة الّذين لا يخشون فيه الملامة، يُحدّثهم، ويُفقّههم، ويُدارسهم [١٠] .

كمل [١١] من مُصَنَّفاته وِقْرُ بَعِير، لم يَعْدُ أكثَرُها عَتَبَة [١٢] باديته لزهد الفقهاء


[١] في سير أعلام النبلاء ١٨/ ٢٠٠ «ويجادل عنه من» .
[٢] في السير: «ومذل» .
[٣] سورة آل عمران، الآية: ١٨٧.
[٤] في الذخيرة، مجلّد ١ ق ١/ ١٦٩ «ولا يزفه بتدريج» ، وفي معجم الأدباء ١٢/ ٢٤٩ «ولا يرقّه بتدريج» .
[٥] في سير أعلام النبلاء: «بل يصكّ به من عارضه» .
[٦] الجندل: ما يقلّه الرجل من الحجارة.
[٧] في الأصل: «انشقاق» ، والتصحيح من: الذخيرة، وفيه «وينشقه متلقيه إنشاق» ، وفي معجم الأدباء: «وينشقه متلقّعة» .
[٨] في السير «وأجمعوا على تضليله» .
[٩] في الذخيرة، ومعجم الأدباء: «بتربة بلده» .
[١٠] قال ابن الأبار إن أحمد بن رشيق الكاتب المتوفى بعيد سنة ٤٤٠ هـ. هو الّذي آوى ابن حزم حين نعي عليه بقرطبة وغيرها خلافه مذهب مالك، وبين يديه تناظر هو والقاضي أبو الوليد الباجي. (الحلّة السيراء ٢/ ١٢٨) .
[١١] في الذخيرة، ومعجم الأدباء، والسير ١٨/ ٢٠١ «حتى كمل» .
[١٢] «عتبة» ليست في السير.