للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعِفّة، والقناعة، والانقطاع عن الدُنيا وأهلها، واشتغاله بالعِلْم ونشره [١] .

وكان أبوه أحد شهود الحضرة [٢] ، قد درس على الفقيه أبي بكر الرّازيّ مذهب أبي حنيفة [٣] ، وتُوُفّي سنة تسعين، وكان سِنّ الوالد إذ ذاك عشر سنين إِلَّا أيَّامًا [٤] ، وكان وصيَّه رَجُلٌ يُعْرَف بالحربيّ يسكن بدار القَزّ، فنقله من باب الطَّاق إلى شارع دار القَزّ وفيه مسجد يُصلِّي فيه شيخ يُعرف بابن مفرحة المقرئ يُقرئ القُرآن، ويُلَقِّن [٥] العبارات من «مُختصر الخِرَقِيّ» فلقَّن الوالد ما جرت عادته، فاستزاده، فقال [٦] : إنْ أردت الزِّيادة فعليك بالشّيخ أبي عبد اللَّه بن حامد، فإنَّهُ شيخ الطَّائِفة، ومسجده بباب الشَّعير. فمضى الوالِد إليه، وصحبه إلى أن تُوُفّي ابن حامد سنة ثلاث وأربعمائة، وتفقَّه عليه [٧] .

ولمَّا خَرَج ابن حامد إلى الحجّ سنة اثنتين وأربعمائة سأله محمد بن عليّ:

على من ندرس؟ وإلى من نجلس؟ فقال: إلى هذا الفتى. وأشار إلى الوالد.

وقد كان لابن حامد أصحابٌ كُثُر [٨] ، فتفرَّس في الوالد ما أظهره الله عليه.


[١] العبارة في (طبقات الحنابلة) ٢/ ١٩٤: «وانقطاعه عن الدنيا وأهلها، واشتغاله بسطر العلم وبثّه، وإذا عنه ونشره» .
[٢] في طبقات الحنابلة ٢/ ١٩٤: «وكان والده أبو عبد الله أحد شهود الحضرة بمدينة السلام، حضر عنده في داره محمد بن صبير قاضي الإمام الطائع للَّه، فشهد عنده في خلافة الطائع للَّه، ولم نسمع أن أحدا قصده من يشهد بين يديه، فشهد عنده في داره سواه، ولم يكن يومئذ قاضي قضاة، وكان ابن معروف معزولا، وقد أهّل ابن صبير لقضاء القضاة، وقد شوهد ذلك في درج بخط ابن صاحب النعمان، لما ذكر شهود باب الطاق» .
[٣] زاد في (طبقات الحنابلة) بعدها: «وغير خاف محلّ أبي بكر الرازيّ، وأن المطيع للَّه ومعزّ الدولة خاطباه ليلي قضاء القضاة فامتنع، وكان محلّ جدّي أبي عبد الله منه أنه مرض مائة يوم، فعاده أبو بكر الرازيّ خمسين يوما، يعبر إليه من الجانب الغربي بالكرخ، من درب عبدة إلى باب الطاق بالجانب الشرقي، فلما عوفي وحضر عنده في مجلسه قال له أبو بكر الرازيّ: يا أبا عبد الله، مرضت مائة يوم، فعدناك خمسين يوما، وذاك قليل في حقك» .
[٤] في (طبقات الحنابلة) : «إلا أيام» .
[٥] في (طبقات الحنابلة) : زيادة: «من يقرأ عليه العبارات» .
[٦] في (طبقات الحنابلة) : بعدها: «هذا القدر الّذي أحسنته، فإن أردت زيادة عليه» .
[٧] طبقات الحنابلة ٢/ ١٩٤، ١٩٥.
[٨] في (طبقات الحنابلة) ٢/ ١٩٥: «كثيرون» .