للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجزيرة مَيُورقَة، فَرَأس فيها، واتبعه أهلّها. فلّما قدِم أبو الوليد كُلم في ذلك، فدخل إلى ابن حزْم وناظَرَه، وشهرَ باطلَه، وله معه مَجَالس كثيرة. ولمّا تكلّم أبو الوليد في حديث البخاريّ ما تكلّم من حديث المقاضاة يوم الحُدَيْبية، وقال بظاهر لفظه، أنكرَ عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ وكفّره بإجازته الكَتْبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الآي [١] ، وأنّه تكذيبُ للقرآن، فتكلّم في ذلك مَن لم يفهم الكلام، حتّى أطلقوا عليه الفتنة، وقبّحوا عند العامة ما أتى به، وتكلّم به خطباؤهم في الجمع.

وفي ذلك يقول عبد الله بن هند الشّاعر قصيدة منها:

بَرئتُ ممّن شَرَى [٢] دُنْيا بآخِرةٍ ... وقال: إنّ رسولَ الله قد كَتَبَا

[٣] فصنّف أبو الوليد في ذلك رسالةً بيَّن فيها أن ذلك لا يقدح في المعجزة، فرجع جماعة بها [٤] .

ومن شعره:

قد أفلح القانتُ في جُنْح الدُّجَى [٥] ... يتلو الكتابَ العربيَّ النيِّرا

له حنينٌ وشهيقٌ وبُكا ... بيلَ من أَدْمُعِهِ ترب الثّرى

إنّا لَسَفْر نبتغي نَيْل المَدَى ... ففي السُّرا بغيتنا لا في الكرى [٦]


[١] هكذا في الأصل، وفي ترتيب المدارك ٤/ ٨٠٥، وسير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٤٠ «الأميّ» .
[٢] في الأصل: «شرا» .
[٣] ترتيب المدارك ٤/ ٨٠٥.
[٤] قال القاضي عياض: «أخبرني الثقة أنه سمع خطيب دانية ضمّنها خطبته يوم الجمعة، فأنشدها على رءوس الناس، رحمه الله، فألف هذا الكتاب وبين فيه وجوه المسألة لمن لم يفهمها وأنها لا تقدح في المعجزة كما لم تقدح القراءة في ذلك بعد أن لم يكن قارئا، بل في هذا معجزة أخرى. وأطال في ذلك الكلام، وذكر من قال بهذا القول من العلماء وكان المقرئ أبو محمد بن سهل من أشدّ الناس عليه في ذلك. ولم ينكر عليه في ذلك، ولم ينكر عليه أولو التحقيق في العلم والمعرفة بأسراره وخفائه شيئا من قوله، وكتب بالمسألة إلى شيوخ صقلّيّة وغيرها، فأنكروا إنكارهم عليه وأثنوا عليه وسوغوا تأويله. منهم ابن الجزار» (ترتيب المدارك ٤/ ٨٠٦) .
[٥] في الأصل: «الدجا» .
[٦] في الأصل: «الكرا» .