للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو مُسْتَنَدُ معظَم الشريعة. وقد دَرَج صَحْبُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ترك التّعريض لمعانيها، ودَرْك ما فيها، وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة. وكانوا لا يأْلُون جهدًا في ضبط قواعد المِلَّة، والتّواصي بحِفْظها، وتعليم النّاس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغًا أو محتومًا، لأوْشَك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرَّمَ عصرهم وعصْر التابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعّا بأنّه الوجه المتبع، فحقَّ على ذي الدّين أن يعتقد تنزه الباري تعالى عن صفات المُحْدَثين، ولا يخوض في تأويل المشْكَلات، وَيَكل معناها إلى الرّبّ [١] ، فَلْيُجْر آية الاستواء والمجيء وقوله: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ٣٨: ٧٥ [٢] ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ٥٥: ٢٧ [٣] ، وتَجْرِي بِأَعْيُنِنا ٥٤: ١٤ [٤] ، وما صح من أخبار الرسول كخبر النّزول وغيره على ما ذكرناه [٥] .

وقال محمد بن طاهر الحافظ: سمعتُ أبا الحَسَن القَيْروانيّ الأديب بَنْيسابور، وكان يسمع معنا الحديث، وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي الجويني، ويقرأ عليه الكلام، يقولُ: سمعتُ الأستاذ أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفتُ أنّ الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به [٦] .

وحكى أبو عبد الله الحَسَن بن العبّاس الرُّسْتُميّ فقيه أصبهان قال: حكى


[١] في المطبوع من النظامية زيادة هنا: «وعند إمام القرّاء وسيدهم الوقف على قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله ٣: ٧ من العزائم، ثم الابتداء بقوله: وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ ٣: ٧، ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سُئل عن قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ٢٠: ٥ فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة» .
[٢] سورة ص، الآية ٧٥.
[٣] سورة الرحمن، الآية ٢٧.
[٤] سورة القمر، الآية ١٤.
[٥] زاد في المطبوع من (النظامية) : «بهذا بيان ما يجب الله» .
[٦] المنتظم ٩/ ١٩ (١٦/ ٢٤٥) وفيه: «فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به» ، بإسقاط كلمة «بي» : وهي في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣/ ٢٦٠ وفيه قال السبكي:
إنّا نشتبه أن تكون هذه الحكاية مكذوبة، وابن طاهر عنده تحامل على إمام الحرمين، والقيرواني المشار إليه رجل مجهول، ثم هذا الإمام العظيم الّذي ملأت تلامذته الأرض لا ينقل هذه الحكاية عنه غير رجل مجهول، ولا تعرف من غير طريق ابن طاهر، إن هذا لعجيب، وغالب ظني أنها كذبة فعلها من لا يستحيي.