للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البصْريّ [١] . وكيف ما هو، فهو إمامُ كلّ إمام، والمستَعْلي بهمّته على كلّ هُمام.

والفائز بالظَّفَر على إرغام كلّ ضِرْغام. إذا تصدر للفقه، فالمزني من مُزْنَتِه قَطْرَه، وإذا تكلم فالأشعريّ من وفْرته شعره، وإذا خطب الجم الفصحاج بالعي شقاشقه الهادرة، ولثم البُلغاء بالصمت حقائقه البادرة.

وقد أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه وغيره في كتابهم عن الحافظ عبد القادر الرّهاويّ أنّ الحافظ أبا العلاء الهَمَذانيّ أخبره قال: أخبرني أبو جعفر الهَمَذانيّ الحافظ قال: سمعتُ أبا المعالي الْجُوَيْنيّ، وقد سُئل عن قوله تعالى:

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ٢٠: ٥ [٢] فقال: كان الله ولا عرش. وجعل يتخبّط في الكلام، فقلت: قد علِمنا ما أشرت عليه، فهل عندك للضّرورات من حيلة؟

فقال: ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارات؟

فقلت: ما قبل عارف قطّ يا ربّاه، إلّا قبل أن يتحرّك لسانه قام من باطنه قصْدٌ، لا يلتفت يَمْنَةً ولا يَسْرةً، يقصد الفَوق. فهل لهذا القصْد الضّروريّ عندك من حيلةٍ، فنبئِّنْا نتخلَّص من الفوق والتَّحْت؟

وبكيتُ، وبكى الخلْق، فضرب بكُمه على السرير، وصاح بالحَيْرة.

وخرَّق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل ولم يُجِبْني إلّا: بيا حبيبي، الحيرة الحيرة والدهشة الدّهشة الدّهشة [٣] .

فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيَّرني الهَمَذانيّ [٤] .

وقد تُوُفّي أبو المعالي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر، ودُفِن في داره، ثم نُقِل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدُفن إلى جانب والده وكُسِر مِنْبَره في الجامع، وأُغلقت الأسواق، وَرَثَوْه بقصائد. وكان له نحو من أربعمائة تلميذ،


[١] في (الدمية) : «وحسن بصره بالوعظ كالحسن البصري» .
[٢] سورة طه، الآية ٥.
[٣] تقدّم مثل هذا الخبر قبل قليل.
[٤] تكرر في هامش الأصل ما نصه: «من طالع كلام الشامل قطع بكذب هذه الحكاية والله أعلم.
مظفري» .