للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٦٤- مُحَمَّد بْن عَمْر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عَقِيل [١] .

أبو بكر الكَرَجيّ [٢] الواعظ. وُلِد بالكَرَج سنة أربع وأربعمائة ورحل إلى إصبهان فسمع «مُعْجَم الطَّبَرانيّ» ، عن شيوخه، من أبي ريذة [٣] .


[ () ] وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين، وكان فصيح العبارة، كثير النشوار في درسه، سهل الأخلاق، روى عنه شيوخنا. وعانى الفقر في طلب العلم، فربّما استضوأ بسراج الحارس.
وحكى عنه أبو الوفاء ابن عقيل أنه قال: كان لي من الحرص على الفقه في ابتداء أمري أني كنت آخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب أفياء الدور الشاطئية والمسنيات، فأنظر في الجزء وأعيده ولا أقوم إلّا وقد حفظته، فأدّى بي السعي إلى مسنات الحريم الطاهري، فجلست في فيئها الثخين وهوائها الرقيق، واستغرقني النظر، فإذا شيخ حسن الهيئة قد أطلع عليّ، ثم جاءني بعد هنيئة فرّاش، فقال: قم معي، فقمت معه حتى جاء بي إلى باب كبير وعليه جماعة حواش، فدخل بي إلى دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس فيها أحد، فأدناني منه، فجلست، وإذا بذلك الشيخ الّذي اطّلع قد خرج فاستدناني منه وسألني عن بلدي، فقلت: دامغان، وكان عليّ قميص خام وسخ، وعليه آثار الحبر. فقال لي: ما مذهبك؟ وعلى من تقرأ؟ فقلت:
حنفيّ، قدمت منذ سنين، وأقرأ على الصيمري، وابن القدوري. فقال: من أين مؤنتك؟
قلت: لا جهة لي أتموّن منها. فقال: ما تقول في مسألة كذا من الطلاق؟ وبسطني، ثم قال:
تجيء كل خميس إلى هاهنا. فلما جئت أقوم أخذ قرطاسا وكتب شيئا، ودفعه إليّ، وقال:
تعرض هذا على من فيه اسمه، وخذ ما يعطيك، فأخذته ودعوت له، فأخرجت من باب آخر غير الّذي دخلت منه، وإذا عليه رجل مستند إلى مخدّة، فتقدّمت إليه فقلت: من صاحب هذه الدار؟ فقال: هذا ابن المقتدر باللَّه. فقال: فما معك؟ فقلت: شيء كتبه لي. فقال: بخطّه! أين كان الكاتب؟ فقلت: على من هذا؟ فقال: على رجل من أهل الأزج عشر كارات دقيق سميد فائق، وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير، وكتب لك بعشرة دنانير، فسررت، ومضيت إلى الرجل، فأخذ الخط ودهش، وقال: هذا خطّ مولانا الأمير، فبادر فوزن الدنانير، وقال:
كيف تريد الدقيق، جملة أو تفاريق، فقلت: أريد كارتين منها، وثمن الباقي، ففعل، فاشتريت كتبا فقهية بعشرين، وكاغدا بدينارين. (المنتظم ٩/ ٢٢، ٢٣) .
وكان يوصف بالأكل الكثير، فروى الأمير باتكين بن عبد الله الزعيمي قال: حضّرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير، وكان يحضره الأكابر، فحضر قاضي القضاة محمد بن علي، فأحببت أن انظر إلى أكله، فوقفت بإزائه فأبهر في كثرة أكله حتى جاوز الحدّ. وكان من عادة الوزير أن ينادم الحاضرين على الطبق ويشاغلهم حتى يأكلوا، ولا يرفع يده إلّا بعد الكلّ، فلما فرغ الناس من الأكل قدّمت إليهم أصحن الحلوى، وقدّم بين يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكّر، وكانت الأصحن كبار، يسع الصحن منها ثلاثين رطلا، فقال له الوزير يداعبه: هذا برسمك. فقال: هلّا أعلمتموني! ثم أكله حتى أتى على آخره. (المنتظم ٩/ ٢٤) .
[١] انظر عن (محمد بن عمر) في: تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٩/ ٥٤، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٢٣/ ١٣١ رقم ١٦٤.
[٢] الكرجي: بالتحريك. وقد تقدّم التعريف بهذه النسبة.
[٣] ريذة: بكسر الراء المهملة، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وذال معجمة.