للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني فاستفاد منه الدّامَغَانيّ. وكان الدّامَغَانيّ قد جمع الصّورة البهيّة، والمعاني الحسنة من الدّين والعقل والعِلْم والحِلْم، وكَرَم المعاشرة للنّاس، والتّعصُّب لهم. وكانت له صَدَقات في السّرّ، وإنصافٌ في العِلْم لم يكن لغيره. وكان يورد من المداعبات [١] في مجلسه والحكايات المضحكة في تدريسه نظيرَ ما يورده الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ، فإذا اجتمعا صار اجتماعهما نُزْهة [٢] .

عاش ثمانين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيّام، وغَسَله أبو الوفاء ابن عَقِيل الواعظ، وصاحبه الفقيه أبو ثابت مسعود بن محمد الرّازيّ، وصلّى عليه ولده قاضي القُضاة أبو الحَسَن على باب داره بنهر القلّايين [٣] .

ولقاضي القُضاة أصحاب كثيرون انتشروا بالبلاد، ودرسوا ببغداد، فمنهم أبو سعْد الحَسَن بن داود بن بابشاذ المصريّ، ومات قبل الأربعين وأربعمائة.

ومنهم نور الهدى الحسين بن محمد الزَّيْنَبيّ، ومنهم أبو طاهر الياس بن ناصر الدَّيْلميّ. ومات في حياته منهم أبو القاسم عليّ بن محمد الرّحبيّ ابن السَمَنانيّ [٤] ، وآخرون فيهم كَثْرة ذكرهم ابن عبد الملك الهَمَذانيّ [٥] .

تُوُفّي في رابع وعشرين رجب، ودُفن في داره بنهر القلّايين، ثمّ نُقِل ودُفن في القُبّة إلى جنب الإمام أبي حنيفة رحمهما الله [٦] .


[١] في (الفوائد البهية) : «الملاعبات» .
[٢] سير أعلام النبلاء ١٨/ ٤٨٦، ٤٨٧، الفوائد البهية ١٨٢، ١٨٣.
[٣] المنتظم ٩/ ٢٤.
[٤] سير أعلام النبلاء ١٨/ ٤٨٧.
[٥] وذكر ابن عساكر أنّ الدامغانيّ روى عن: محمد بن محمد بن مرزوق البعلبكي. (تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٩/ ٣٢٧) .
[٦] تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ٣٨/ ٦٥١، المنتظم ٩/ ٢٤ (١٦/ ٢٥٢) .
وولي قضاء القضاة بعده القاضي أبو بكر بن المظفّر بن بكران الشامي، (الكامل ١٠/ ١٤٦) .
وقال الخطيب البغدادي: «برع في العلم ودرّس وأفتى، وقبل قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا شهادته، ثم ولي قضاء القضاة بعد موت ابن ماكولا، وَذَلِكَ في ذي القِعْدَة من سنة سبْع وأربعين وأربعمائة، وكان عفيفا، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين، وكان وافر العقل، كامل الفضل، مكرما لأهل العلم، عارفا بمقادير الناس، سديد الرأي، وجرت أموره في حكمه على السداد» . (تاريخ بغداد ٣/ ١٠٩) .
وقال ابن الجوزي: «برع في الفقه، وخصّ بالعقل الوافر والتواضع، فارتفع وشيوخه أحياء، -