للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ]
سينجدني جيش من العزم طالما ... غلبت به الخطب الّذي هو غالبي
(ديوان ابن الخياط ١٢- ١٨) .
وقد امتدحه العماد الأصفهاني في (الخريدة) وأورد مجموعة من أشعاره.
وأقام سديد الملك في طرابلس نحو عشر سنين (٤٦٤- ٤٧٤ هـ.) ، وكان صديقا لأمرائها من بني عمّار، وكان قد استشعر من أخيه في الرضاعة تاج الملوك محمود بن صالح أنه يريد القبض عليه، فسار من حلب وأقام بطرابلس، فكتب تاج الملوك إلى ابن عمّار صاحب طرابلس يأمره بالقبض عليه، ويبذل له ثلاثة آلاف درهم ورقية، فلم يظفر به، ولما يئس من عوده قبض على جميع أملاكه. (زبدة الحلب ٢/ ٣٥، ٣٦) .
وكان سديد الملك فطنا ذكيا، وينقل عنه حكايات عجيبة، ومن ذلك أنّ تاج الملوك بعد أن عجز عن القبض عليه، لجأ إلى الاحتيال في استقدامه إلى حلب، فأوعز إلى كاتبه أن يكتب إليه كتابا يشوقه فيه ويستعطفه ويستدعيه إليه. وفهم الكاتب الغرض الحقيقي من ذلك الكتاب- وكان صديقا لسديد الملك- فكتب إليه مكرها، حتى إذا بلغ قوله: «إن شاء الله تعالى» شدّد النون في «إن» وفتحها فجعلها «إنّ» ، وأنفذ الكتاب. فلما وصل إلى سديد الملك قرأه ثم عرضه على ابن عمّار ومن في مجلسه من الخواصّ، فاستحسنوا عبارة الكتاب، واستعظموا ما فيه من رغبة تاج الملوك في سديد الملك، وإيثاره قربه، فقال سديد الملك، «إني أرى في الكتاب ما لا ترون» ، ثم أجابه على الكتاب بما اقتضاه المقام، وكتب في جملة ذلك: «أنا الخادم المقرّ بالأنعام» ، وكسر همزة «أنا» وشدد نونها فصارت «إنّا» ، فلما وصل الكتاب إلى تاج الملوك ووقف عليه كاتبه أبو نصر سرّ بما رأى فيه، وقال لأصدقائه: قد علمت أن الّذي كتبته لا يخفي على سديد الملك. وكان أبو نصر قد قصد بتشديد نون «إنّ» الإشارة إلى الآية:
«إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ٢٨: ٢٠- سورة القصص، الآية ٢٠-، فأجابه سديد الملك بتشديد «إنا» إشارة إلى الآية: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها ٥: ٢٤- سورة المائدة الآية ٢٤- (زبدة الحلب ٢/ ٣٦، وفيات الأعيان ٣/ ٨٦، فوات الوفيات ١/ ٤٨٩، الدرة المضيّة ٤٢٣، ٤٢٤، درر التيجان (مخطوط) ٤٤٢، ٤٤٣، ثمرات الأوراق ١/ ٨٩، ٩٠، ذخائر القصر (مخطوط) ١٤ ب) .
وكان سديد الملك من الشخصيات الفذّة في عصره، وقيل فيه إنه لو جعل مكان إقامته بمصر بدلا من طرابلس لكانت الدولة الفاطمية في قبضته. (بغية الطلب ٥/ ١٦١/ ١٦٢) .
وقد حدث أن توفي «أمين الدولة ابن عمّار» سنة ٤٦٤ ووقع صراع على حكم طرابلس بين ابن أمين الدولة، وعمّه «جلال الملك» فوقف سديد الملك إلى جانب جلال الملك وعاضده بمماليكه ومن كان معه من أصحابه وممن طبع معه من أهل كفرطاب. (زبدة الحلب ٢/ ٣٥، الأعلاق الخطيرة ٢/ ١٠٨، تاريخ ابن الفرات ٨/ ٧٧) ، وقد حفظ جلال الملك هذا الموقف له فرفع من مكانته وقربه إليه حتى أصبح من خواص جلسائه. وأشركه معه في حكم طرابلس، حتى كان يحكم مثله. (زبدة الحلب ٢/ ٣٥) .
وقال ابن عساكر: كان سديد الملك عليّ بن مقلد بن نصر بينه وبين ابن عمّار مودة وكيدة، وكان بينهما تكاتب، وكان سبب ذلك أنه كان له مملوك أرمني يسمى رسلان. وكان زعيم عسكره، فبلغه عنه ما أنكره، فقال: اذهب عني وأنت آمن مني على نفسك، فذهب إلى طرابلس، وقصد ابن عمار، فنفذ إلى سديد الملك وسأله في حرمه وماله، فأمر بإطلاقهم وما اقتناه من دوابّه. فلما خرج لحقه سديد الملك، فقال له الرسول: غدرت بعبدك، ورعيت في