للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن طاهر: كان شيخنا الحبّال لا يُخْرِجُ أصلَه من يده إلّا بحضوره، يدفع الجزء إلى الطّالب، فيكتب منه قدْر جلوسه، فإذا قام أخذ الأصل منه.

وكان له بأكثر كُتُبه عدة نُسَخ. ولم أرَ أحدًا أشدّ أخْذًا منه، ولا أكثر كُتُبًا منه.

وكان مذهبه في الإجازة أن يقدّمها على الأخبار.

يقول: أجاز لنا فُلان، أنا فلان، ولا يقول: أنا فلان إجازة.

يقول: ربّما تُترك إجازة، فيبقى إخبارًا، فإذا ابْتُدِئ بها، لم يقع الشّكّ فيه [١] .

وسمعته يقول: خرَّج أبو نصر السِّجَزيّ الحافظ على أكثر من مائة شيخ، لم يبق منهم غيري [٢] .

قال ابن طاهر: كان قد خرَّج له عشرين جزءًا في وقت الطَّلب، وكتبها في كَاغَدٍ عتيق، فسألت الحبّال عن الكَاغَد، فقال: هذا من الكاغَد الّذي كان يحمل إلى الوزير من سَمَرْقَنْد، وَقَعت إليَّ من كُتُبه قطعة، فكنتُ إذا رأيتْ ورقةً بيضاء قَطَعْتُها، إلى أن اجتمع هذا القدْر، فكنتُ أكتب فيه هذه الفوائد [٣] .

قال ابن طاهر: لمّا دخلت مصر قصدتُ الحبّال، وكان قد وصفوه لي بحِلْيَتْه وسِيرته، وأنّه يخدم نفسِه، فكنتُ في بعض الأسواق لا اهتدي إلى أين أذهب. فرأيت شيخًا على الصّفة الّتي وُصِف بها الحبّال، واقِفًا على دُكّان عطّار، وكُمَّيه ملأى من الحوائج. فوقع في نفسي أنّه هو، فلمّا ذهبَ سألتُ العطّار: مَن هذا الشّيخ؟ فقال: وما تعرفه، هذا أبو إسحاق الحبّال! فتَبِعْتُه وبلغته رِسالةَ سعْد بن عليّ الزَّنْجَانيّ، فسألني عنه، وأخرج من جيبه جزْءًا صغيرًا، فيه الحديثان المسلسلان اللّذان كان يرويهما. أحدهما. وهو أوّل حديثٍ سمعته منه، فقرأهما عليَّ. وأخذت عليه الموعد كلّ يومٍ في جامع عَمْرو بن العاص إلى أن خرجتُ رحمه الله [٤] .


[١] انظر: تذكرة الحفاظ ٣/ ١١٩٣، ١١٩٤، وسير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٠٠.
[٢] انظر: تذكرة الحفاظ ٣/ ١١٩٤، وسير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٠٠.
[٣] المصدران السابقان.
[٤] انظر: تذكرة الحفاظ ٣/ ١١٩٤، وسير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٠٠، ٥٠١.