للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحماه سنة أربعمائة، ورحل إلى بغداد شابًّا، فسكنها وتفقّه بها.

وسمع الحديث من: عثمان بن دُوَسّت، وأبي القاسم بن بشْران، وأبي طالب بن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، وأبي الحسن العتيقيّ، وجماعة.

روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبه الله بن طاوس المقرئ.

وكان دخوله بغداد في سنة عشرين.

قال السّمعانيّ: هو أحد المتقنين لمذهب الشّافعيّ، وله اطّلاع على أسرار الفقه. وكان ورِعًا زاهدًا متَّقيا. وجَرَت أحكامه على السَّداد. ولي قضاء القُضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين، إلى أن تغيّر عليه المقتدي باللَّه لأمر، فمنع الشُّهُود من حضور مجلسه مدّةً، فكان يقول: ما أنعزِل ما لم يتحقَّقوا عليِّ الفِسْق.

ثمّ إنّ الخليفة خلع عليه، واستقام أمره [١] .

وسمعت الفقيه أحمد بن عبد الله بن الأبنوسيّ يقول: جاء أمير إلى قاضي القُضاة الشّاميّ، فادّعى شيئًا، فقال: بيّنتي فلان والمشطّب [٢] الفَرَغانيّ الفقيه.

فقال: لا أقبل شهادة المشطّب، لأنّه يلبس الحرير.

فقال: السّلطان ملك شاه ووزيره نظام المُلْك يَلْبَسانه.

فقال: ولو شهِدا عندي ما قَبِلتُ شهادتهما أيضًا [٣] .

وقال ابن النّجّار: كان رحمه الله قد تفقّه على أبي الطّيّب الطّبريّ، وكان يحْفظ تعليقته. وولي قضاء القُضاة، وأبى أن يأخذ على القضاء رِزْقًا. ولم يغيّر مأكَلَه ولا مَلْبَسه، ولا استناب أحدًا في القضاء. وكان يسوّي بين الشّريف والوضيع في الحُكْم، ويقيم جاه الشَّرْع. فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه، فألصقوا به ما كان منه بريًّا من أحاديث ملفّقة، ومعاييب مزوّرة.


[١] سير أعلام النبلاء ١٩/ ٨٥، ٨٦، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣/ ٨٣.
[٢] تقدّمت ترجمته في وفيات سنة ٤٨٦ هـ. برقم (٢: ٢) .
[٣] في المنتظم: «ولو شهدوا عندي في باقة بقل، ما قبلت شهادتهما» . وانظر: الكامل في التاريخ ١٠/ ٢٥٣، وطبقات الشافعية الكبرى ٣/ ٨٣.