وقال القاضي عياض: الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسين التميمي: أجلّ شيوخ بلدنا سبتة، رحمه الله، ومقدّم فقهائهم، مولده بمدينة فاس، انتقل به أبوه إلى سبتة وهو شاب، وأصله من تاهرت، وجدّه هو المنتقل إلى فاس، فطلب العلم بسبتة على شيوخنا أبي محمد المسيلي، وغيره. ورحل إلى الأندلس ثلاث رحل، إحداها في شبيبته إلى إشبيلية، فقرأ بها الأدب على إلى بكر ابن القصيرة، والثاني إلى المريّة سنة ثمانين وأربعمائة، فأخذ عن ابن المرابط، وأجازه الدلائي، والثالثة سنة ثمان وثمانين إلى قرطبة، فسمع الجياني، وابن الطلّاع، وأبا مروان ابن سراج، والعبسيّ. وأقام بها نحو عامين، واتّسع في الأخذ، وتقلّد الشورى أخريات أيام البرغواطي قبل رحلته، فاستمرّ رأسا في المفتين إلى أخريات أيامه، وسمع أيضا من ابن سعدون، وأبي القاسم ابن الباجي، وغيرهما. وكان كثير الكتب، حافظا، عارفا بالفقه، مليح الخط والكتابة والمحاضرة، من أعقل أهل زمانه وأفضلهم وأسمتهم، تامّ الفضل، كامل المروءة، بعيد الصيت عند الخاصّة، والعامّة، عظيم القدر. لازمته كثيرا للمناظرة في «المدوّنة» و «الموطّأ» ، وسماع المصنّفات، فقرأت وسمعت عليه بقراءة غيري كثيرا، وأجازني جميع روايته. وولي القضاء بسبتة نحو ست سنين، واستعفى من ذلك أخيرا فأعفي، وذلك في محرّم سنة ست وتسعين، ثم التزم القضاء بمدينة فاس بعد أن سجن على إبايته من ذلك، وذلك سنة ثلاث وخمسمائة، فنهض إليها، ثم انصرف زائرا إلى سبتة، وتلدّد بها رجاء تخلّصه من الخطّة، فتوفي بها صبيحة يوم السبت لتسع بقين لجمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة. مولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وكان من أحسن القضاة وأنزههم وأجرأهم على الطريقة القويمة، فمضى فقيرا حميدا، واحتفل الناس لجنازته، وولعت العامّة بنعشه مسحا بالأكفّ، ولمسا بأطراف الثياب تبرّكا به، رحمة الله عليه. فمما سمعت عليه وقرأت، ومنه ما فاتني بعضه، فأجازنيه: - موطّأ الإمام مالك بن أنس، رواية يحيى بن يحيى الليثي.. والمسند الصحيح من آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للبخاريّ، والمسند الصحيح المختصر من السنن لمسلم، ومصنّف السنن لأبي داود، وشرح غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وإصلاح الغلط لابن قتيبة، وغريب الحديث لأبي سليمان البستي الخطابي، وعلوم الحديث للحاكم النيسابورىّ، والطبقات لمسلم، والضعفاء، والمتروكين للنسائي، والمدوّنة، والملخّص لمسند الموطّأ لأبي الحسن القابسي، والتقصّي لمسند الموطّأ لابن عبد البرّ، ومسند الموطّأ لأبي القاسم الجوهري، والرسالة لأبي محمد ابن أبي زيد. (باختصار عن الغنية ٢٧- ٤٤) .