للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومصنّفها فيلسوف قد خاض في عِلْم الشّرْع والنَّقْل، فخرج ما بين العِلْمَيْن، وذكر الفلسفة، وحسّنها في قلوب أهل الشّرع بآياتٍ يتلو عندها، وأحاديث يذكرها.

ثمّ كَانَ في هذا الزّمان المتأخّر رجلٌ مِن الفلاسفة يُعرف بابن سينا، ملأ الدُّنيا تواليف في علوم الفلسفة، وهو فيها إمامٌ كبير، وقد أدّاه [١] قُوتُه في الفلسفة إلى أن حاول ردّ أُصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطّف جَهْدَه حَتَّى تم لَهُ ما لم يتم لغيره. وقد رَأَيْت جملا من دواوينه، ووجدت هَذَا الغَزَالِي يعوّل عليه في أكثر ما يشير إِليْهِ مِن علوم الفلسفة [٢] .

إلى أن قَالَ: وأمّا مذاهب الصُّوفيّة، فلست أدري عَلَى مِن عوَّل فيها [٣] ، ولكنّي رَأَيْت فيما علّق عَنْهُ بعضُ أصحابه، أنّه ذكر كُتُب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذَلِكَ كُتُب أَبِي حَيّان التّوحيديّ، وعندي أنّه عَليْهِ عوّل في مذاهب الصُّوفيّة.

وقد أُعْلِمتُ أنّ أبا حَيّان ألّف ديوانًا عظيمًا في هذا الفنّ، ولم يُنقل إلينا شيءٌ منه.

ثمّ ذكر المازَرِيّ تَوَهُّنَه أكثر ما في «الإحياء» مِن الأحاديث. وقال: عادة المتورّعين أن لَا يقولوا: قَالَ مالك، قَالَ الشّافعيّ. فيما لم يثبُت عندهم. وفي كتابه مذاهب وآراء في العمليّات هِيَ خارجة عَنْ مذاهب الأئمّة. واستحسانات عليها طلاوة، لَا تستأهل أن يُفتى بها. وإذا تأمّلتَ الكتابَ وجدتَ فيه مِن الأحاديث والفَتْوى ما قلته، فَيَستحسن أشياء مبناها عَلَى ما لَا حقيقة لَهُ، مثل قصّ الأظْفار أن تبدأ بالسَّبّابة، لأنّ لها الفضل عَلَى بقيّة الأصابع، لأنّها


[١] كذا في الأصل وطبقات ابن الصلاح ١/ ٢٥٧، وفي (السير ١٩/ ٣٤١) : «أدّته» .
[٢] في طبقات ابن الصلاح زيادة: «حتى أنه في بعض الأحايين ينقل نصّ كلامه من غير تغيير، وأحيانا يغيّره بنقله إلى الشرعيّات أكثر من نقل ابن سينا، لكونه أعلم بأسرار الشرع منه، فعلى ابن سينا ومؤلّف «رسائل إخوان الصفا» عوّل الغزالي في علم الفلسفة» .
[٣] قال السبكي: «لم يكن عمدته في «الإحياء» بعد معارفه وعلومه وتحقيقاته التي جمع بها شمل الكتاب ونظم بها محاسنه إلّا على كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكّي، وكتاب الرسالة للأستاذ أبي القاسم القشيري المجمع على جلالتهما، وجلالة مصنّفيهما. وأما ابن سينا فالغزالي يكفّره، فكيف يقال: إنه يقتدي به؟» . (طبقات الشافعية الكبرى ٦/ ٢٤٧) .