للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهواجر، فلحِقَني ذَلِكَ. وما ركبتُ دابّةً قطّ في طلب الحديث. وكنتُ أحمل كُتُبي عَلَى ظهري، إلى أن استوطنت البلاد. وما سَأَلت في حال الطّلب أحدًا.

وكنت أعيش عَلَى ما يأتي مِن غير مسألة [١] .

وقال ابن السّمعانيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ بعض المشايخ يَقُولُ: كَانَ ابن طاهر يمشي في ليلة واحدة قريبًا مِن سبعة عشر فرسخًا. وكان يمشي عَلَى الدّوام باللّيل والنّهار عشرين فرسخًا [٢] .

أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنَا ابْنُ خَلِيلٍ، أَنَا خليل بْن أَبِي الرجاء الرازانيّ، نا محمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق قَالَ: محمد بْن طاهر كَانَ صوفيا مَلامتّيا، سكن الرَّيّ، ثمّ هَمَذَان. لَهُ كتاب «صَفْوة الصُّوفيّة» [٣] . لَهُ أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ الْبُخَارِيّ ومسلم، وغيرهما [٤] . شاهدناه بجرجان، ونيسابور. ذكر لي عَنْهُ حديث الإباحة، أسأل الله أن يُجَنّبنا منها، وممن يَقُولُ بها من الرجال والنساء، والأخابث الكحلية من جوانية زماننا، وصوفيّة وقتنا، وأن ينقذنا مِن المعاصي كلّها، وهم قومٌ ملاعين، لهم رموز ورَطَانات، وضلالة، وخذْلان، وإباحات، إنّ قولهم عند فعل الحرام المنع شؤم، والسّراويل حجاب. وحال


[١] تاريخ دمشق، مختصر تاريخ دمشق ٢٢/ ٢٤٧.
[٢] وزاد ابن السمعاني: سمعت من أثق به يقول: قال عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي، ينبغي لصاحب الحديث أن يكون سريع القراءة، سريع النسخ، سريع المشي، وقد جمع هذه الخصال في هذا الشاب، وأشار إلى ابن طاهر، وكان بين يديه.
[٣] في (المنتظم) و (سير أعلام النبلاء) : «صفوة التصوّف» .
وقال ابن الجوزي: وكان له حفظ الحديث ومعرفة به، وصنّف فيه إلّا أنه صنّف كتابا سمّاه «صفوة التصوّف» يضحك منه من يراه ويعجب من استشهاده على مذاهب الصوفية بالأحاديث التي لا تناسب ما يحتجّ له من نصرة الصوفية. وكان داوديّ المذهب، فمن أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث ومعرفته به، وإلّا فالجرح أولى به.
[٤] زاد المؤلّف الذهبي في (سير أعلام النبلاء ١٩/ ٣٦٤) .
«قلت: يا ذا الرجل، أقصر، فابن طاهر أحفظ منك بكثير.
ثم قال: وذكر له عنه الإباحة.
قلت: ما تعني الإباحة؟ إن أردت بها الإباحة المطلقة، فحاشا ابن طاهر، وهو- والله- مسلم أثري، معظّم لحرمات الدين، وإن أخطأ أو شذّ، وإن عنيت إباحة خاصّة، كإباحة السماع، وإباحة النظر إلى المرد، فهذه معصية، وقول للظاهرية بإباحيّتها مرجوع» .