للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو النَّضْر الفاميّ: [١] أقام المؤتمن بهَرَاة نحو عشر سنين، وقرأ الكثير، وكتب «الجامع» للتّرْمِذيّ ستٌّ كرّات. وكان فيه صَلَفُ نفْسِ، وقناعة، وعفّة واشتغال بما يعنيه.

وقال أبو بَكْر مُحَمَّد بْن مَنْصُور السّمعانيّ: ما رَأَيْت بالعراق من يفهم الحديث غير رجلين: المؤتمن السّاجيّ ببغداد، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ بإصبهان.

وسمعت المؤتمن يَقُولُ: سَأَلت عَبْد الله بْن محمد الأنصاريّ، عَنْ أَبِي عليّ الخالديّ، فقال: كَانَ لَهُ في الكذب قصّة، ومن الحِفْظ حِصّة.

وقال السّلَفيّ: لم يكن ببغداد أحسن قراءةً للحديث منه، يعني السّاجيّ، كَانَ لَا يملّ قراءته وإن طالت. قرأ لنا عَلَى أَبِي الحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ كتاب «الفاضل» [٢] للرّامَهُرْمُزِيّ في مجلس.

وقال يحيى بْن مَنْدَهْ الحافظ: قِدم المؤتمن السّاجيّ إصبهان، وسمع مِن والدي كتاب «معرفة الصّحابة» وكتاب «التّوحيد» و «الأمالي» ، و «حديث ابن عُيَيْنَة» لجدّي، فلمّا أخذ في قراءة «غرائب شُعْبَة» بلغ إلى حديث عُمَر في لبْس الحرير فلمّا انتهى إلى آخر الحديث كَانَ الوالد في حال الانتقال إلى الآخرة، وقضى نحْبه عند انتهاء ذَلِكَ بعد عشاء الآخرة. هذا ما رأينا وشاهدنا وعَلِمْنا. ثمّ قدم أبو الْفَضْلُ محمد بْن طاهر سنة ستّ وخمسمائة، وقرأنا عَليْهِ جزءًا مِن مجموعاته، وقرأ عَليْهِ أبو نصر اليُونارتيّ جزءًا مِن الحكايات فيه. سَمِعْتُ أصحابنا بإصبهان يقولون: إنّما تَمَّم المؤتمن السّاجيّ كتاب «معرفة الصّحابة» عَلَى أَبِي عَمْرو بعد موته، وذلك أنّه كَانَ يقرأ عَليْهِ وهو في النَّزْع، ومات وهو يقرأ عَليْهِ. وكان يُصاح بِهِ: نريد أن نغسّل الشَّيْخ.

قَالَ يحيى: فلمّا سَمِعْتُ هذه الحكاية قلت: ما جرى ذلك، يجب أن


[١] تحرّفت في (تذكرة الحفاظ) إلى: «أبي نصر الناهي» .
[٢] اسمه بالكامل: «المحدّث الفاصل بين الراويّ والواعي» للحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزيّ القاضي المتوفى سنة ٣٦٠ هـ-. وهو مطبوع بتحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب.