للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحمر، فإذا بشيخ أعمى ينشده، ويبذل لملتقطه مائة دينار. فرددْتُه عَليْهِ وقال: خُذ الدّنانير. فامتنعت.

قَالَ: وخرجت إلى الشّام، وزرت القدس، ونزلت إلى دمشق، وقصدت بغداد، وكانت أمّي باقية، فاجتزت بحلب، وأوَيت إلى مسجدٍ وأنا جائع بردان، فقدّموني فصلّيت بهم، فعشّوني، وكانت ليلة رمضان، وقالوا: إمامنا تُوُفّي مِن أيّام، ونسألك أن تصلّي بنا هذا الشّهر. ففعلت. فقالوا: لإمامنا الميت بِنْت.

فتزوَّجت بها، فأقمت معها سنة، ووُلِد لي منها وُلِد. ثمّ مرضَتْ في نفاسها، فتأمّلتها ذات يوم، وإذا خيط أحمر في عنقها، وإذا بِهِ العقْد الَّذِي لقيته بعينه.

فقلت لها: يا هذه، إنّ لهذا العقد قصّة. وحكيت لها، فبكت وقالت: أنتَ هُوَ والله، لقد كَانَ أَبِي يبكي ويقول: اللَّهمّ ارزُق بنتي مثل الَّذِي ردّ عليَّ العقد. وقد استجاب الله منه. ثمّ ماتت، فأخذت العقد والميراث، وعدت إلى بغداد [١] .

ومنها ما حكاه أيضًا عَنْ نفسه قَالَ: كَانَ عندنا بالظَّفَريّة دار [٢] كلمّا سكنها ناس أصبحوا موتى. فجاء مرّة رجل مقريء، فقال: أُكْروني إيّاها.

فقالوا: قد عرفتَ حالها.

قَالَ: قد رضيت.

فبات بها وأصبح سالمًا. فعجب الجيران، وأقام بها مدّة، ثمّ انتقل، فسُئل عَنْ ذَلِكَ فقال: لمّا دخلتها صلّيت العشاء، وقرأت شيئًا، وإذا بشابٍ قد صعد مِن البئر، فسلَّم عليَّ، فبُهتُّ، فقال: لَا بأس عليك، علَّمني شيئًا مِن القرآن. فشرعت أُعلّمه. فلمّا فرغت قلت: هذه الدّار كيف حديثها؟

قَالَ: نحن قوم مِن الجنّ مسلمون نقرأ ونصلّي، وهذه الدّار ما يكتريها إلّا الفُسّاق، فيجتمعون عَلَى الخمر، فنخنقهم.

قلت: وفي اللَّيلْ أخاف منك فاجعل مجيئك في النّهار.

قَالَ: نعم. فكان يصعد مِن البئر في النّهار، ووالفته. فبينما هو قاعد


[١] مرآة الزمان ج ٨ ق ١/ ٨٥، ٨٦.
[٢] في الأصل: «دارا» .