ونقل عبد الواحد بن عليّ بن التّميميّ المرّاكشيّ في كتاب «المعجب»[١] الّذي اختصرته، أنّ ابن تُومَرْت رحل إلى بغداد، فأخذ الأصول عن أبي بكر الأصوليّ الشّاشيّ، وسمع من المبارك بن عبد الجّبار ابن الطُّيُوريّ. وقال: إنّ أمير الإسكندرية نفاه منها، فبَلَغَني أنّه استمر يُنكر في المركب إلى أنّ أَلْقوْه في البحر. فأقام نصفَ يَوْمٍ يجري في ماء السّفينة ولم يغرق، فأنزلوا إليه من أطلعه وعظَّموه، إلى أن نزل بَجَّايَة، ووعظ بها، ودرَّس، وحصل له القبول، فأمره صاحبها بالخروج منها خوفًا منه، فخرج، ووقع بعبد المؤمن، وكان بارعًا في خطّ الرمْل. ووقع بجفرٍ فيما قيل، وصحِبَهما من ملالة عبدُ الواحد الشّرقيّ، فتوجّه الثّلاثة إلى أقصى المغرب.
وقيل إنّه لقي عبد المؤمن ببلاد متيجة، فرآه يعلّم الصّبيان، فأسرّ إليه، وعرّفه بالعلامات. وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا، وهي أنّه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صَحْفَةٍ، قال: ثمّ زاد أكلي على أكله، ثمّ اختطفت الصَّحْفَة منه. فقصها على عابرٍ فقال: هذه لَا ينبغي أن تكون لك، إنما هي لرجلٍ ثائر يثور على أمير المسلمين، إلى أن يغلب على بلاده.
وسار ابن تُومَرْت إلى أن نزل في مسجد بظاهر تِلِمْسان، وكان قد وضع له هيبةً في النُّفُوس. وكان طويل الصَّمت، كثير الانقباض، إذا انفصل عن مجلس العلم لَا يكاد يتكلم.
أخبرني شيخٌ عن رجلٍ من الصالحين كان معتكفًا في ذلك المسجد أنّ ابن تُومَرْت خرج ليلةً فقال: أين فلان؟ قالوا: سمجون. فمضى من وقته ومعه رجلٌ، حتى أتى إلى باب المدينة، فدقّ على البوّاب دقًا عنيفًا. ففتح له بسرعة، فدخل حتّى أتى الحْبس، فابتدر إليه السّجّانون يتمسّحون به. ونادى: يا فُلان.
فأجابه، فقال: أخرج، فخرج والسّجّانون باهتون لَا يمانعونه، وخرج به حتّى أتى المسجد. وكانت هذه عادته في كلّ ما يريد، لَا يتعذّر عليه. قد سُخِّرت له الرّجال.
وعظُم شانه بتِلَمْسان إلى أن انفصل عنها، وقد استحوذ على قلوب