للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدَّث بنَيْسابور، وبغداد، وهَرَاة، وهَمَذَان، وأصبهان، والرَّيّ، والحجاز. واستملى بعد أبيه على شيوخ نَيْسابور كأبي بكر بن خَلَف الشّيرازيّ فمَن بَعْده.

وكان شيخًا متيقظًا، له فَهْمٌ ومعرفة، فإنه خرّج لنفسه «عوالي مالك» و «عوالي سُفْيان بن عُيَيْنَة» ، والألف حديث «السُّباعيّات» . وجمع عوالي ما وقع له من حديث ابن خُزَيمة في نيِّفٍ وثلاثين جزءًا، وعوالي ما وقع له من حديث السّرّاج، نحوًا من ذلك. وعوالي عبد الله بن هاشم، وعوالي عبد الرحمن بن بِشْر، «وتُحفة [١] العيدين» ، ومشيخته.

وأملى بنَيْسابور قريبًا من ألف مجلس، وصار له أنس بالحديث.

وكان ذا نهمة في تسميع حديثه، رحل في بذْله كما يرحل غيره في طلب الحديث، وكان لَا يضجر من القراءة.

قال ابن السّمعانيّ: كان مكثِرًا متيقظًا، وَرَدَ علينا مَرْو قَصدًا للرواية بها، وخرج معي إلى أصبهان، لَا له شغل إلّا الرواية بها. وازدحم عليه الخلق.

وكان يعرف الأجزاء. وجمع، ونسخ، وعُمِّر. فقرأت عليه «تاريخ نَيْسابور» في أيّام قلائل، فكنت أقرأ من قبل طلوع الشمس إلى الظهر، ثمّ أصلّي وأقرأ إلى العصر، ثمّ إلى المغرب. وربّما كان يقوم من موضعه.

وكان يُكرم الغرباء يُعِيرهم الأجزاء، ولكنّه لَا يخلّ بالصّلاة إخلالًا ظاهرًا وقت خروجه معي إلى أصبهان، فقال لي أخوه وجيه: يا فلان، اجتهد حتّى تُقعد هذا الشَيخ ولا يسافر ويفتضح بترك الصّلاة. وظَهَر الأمر كما قال أخوه، وعرف أهل أصبهان ذلك وشنعوا عليه، حتّى ترك أبو العلاء أحمد بن محمد الحافظ الرواية عنه، وضرب على سماعاته منه. وأنا فوقت قراءتي عليه التّاريخ، ما كنت أراه يصلّي، وأوّل من عَرَّفَنَا ذلك رفيقُنا أبو القاسم الدّمشقيّ، قال: أتيته قبل طلوع الشّمس، فنبّهوه فنزل ليقرأ عليه وما صلّى، وقيل له في ذلك، فقال:

لي عُذْر وأنا أجمع بين الصّلوات كلّها. ولعلّه تاب في آخر عمره، والله يغفر له [٢] .


[١] في سير أعلام النبلاء ٢٠/ ١١ «تحفتي العيدين» .
[٢] قال ابن الجوزي: «ومن الجائز أن يكون به مرض، والمريض يجوز له الجمع بين الصلوات،