للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاحِدٍ» ، فَمَا أَرَدْتُ أَنْ أُخَالِفَ السُّنَّةَ. فَأَعْجَبَ النَّظَّامُ مَا فَعَلَ وَقَالَ: أَكْتُبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَرْجِعَ شَيْخُكَ إِلَى هَرَاةَ. وَقَالَ لِي: ارْكَبْ بَعْضَ الْجَنَائِبِ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: شَيْخِي فِي الْمِحْنَةِ وَأَنَا أَرْكَبُ الْجَنَائِبَ! وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَالًا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ [١] .

وَقُدِّمَ أَبِي بِأَصْبَهَانَ إِلَى الْخَشَبَةِ لِيُصْلَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ حَبَسُوهُ مُدَّةً، فَقَالَ لَهُ الْجَلادُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ: لَيْسَ ذَا وَقْتُ صَلاةٍ، اشْتَغِلْ بِمَا أُمِرْتَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ: إِذَا عُلِّقَتِ الشَّعِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي أَسْفَلِ الْعَقَبَةِ لَا تُوَصِّلُكَ فِي الْحَالِ إِلَى أَعْلاهَا. الصّلاة نافعة في الرّخاء، لَا في حالة اليأس. ووصل مسرعٌ من السّلطان ومعه الخاتم بتسريحه، فتُرِك [٢] .

وكانت الخاتون امرأة السّلطان معينة في حقّه.

قال: فكلّما أُطْلِق رجع في الحال إلى التّظلُّم والتّشنيع [٣] .

سَمِعْتُ أَبَا الْفُتُوحِ عَبْدَ الْخَالِقِ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: أَمَرَ بَعْضُ الأُمَرَاءِ أَنْ يُضْرَبَ عَطَاءٌ الفقّاعيّ في محنة الشّهيد عبد القادر ابن شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَائَةَ سَوْطٍ. فَبُطِحَ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُضْرَبُ إِلَى أَنْ ضَرَبُوا سِتِّينَ، فَشَكُّوا كَمْ كَانَ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ، فَقَالَ عَطَاءٌ، وَهُوَ مَكْبُوبٌ عَلَى وَجْهِهِ: خُذُوا بِالأَقَلِّ احْتِيَاطًا.

وَحُبِسَ بَعْدَ الضَّرْبِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ أَتْرِسَةٌ، فَقَامَ بِجَهْدٍ مِنَ الضَّرْبِ، وَأَقَامَ الْأَتْرِسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: «نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَلْوَةِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ» [٤] . قال محمد بن عطاء: تُوُفّي أبي تقديرًا سنة خمسٍ وثلاثين [٥] .


[١] المنتظم ١٠/ ٩١.
[٢] المنتظم ١٠/ ٩١.
[٣] المنتظم ١٠/ ٩١.
[٤] انظر: صحيح البخاري (١٨٦١) و (٣٠٠٦) و (٣٠٦١) و (٥٢٣٣) ، وصحيح مسلم (١٣٤١) ، ومسند أحمد ١/ ٢٢٢، ومسند الطيالسي ٧، والجامع للترمذي (٢١٦٥) ، ومسند أبي يعلى (١٣٧) ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ١/ ١١٣- ١١٥.
[٥] وقال ابن الجوزي: وتحرّك نعل فرس النّظام، فنزل الركابيّ ليقلعه، فوقف النظّام الفرس، فقعد عطاء قريبا منه، وجعل يقشّر جلد رجله ويرمي بها، وقال للنّظّام: إرم أنت نعل الخيل ونرمي نحن جلد الرجل، ونبصر ما يعمل القضاء، ولمن تكون العاقبة.