للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخرج من بيته إلى الشّرق ببغداد، وأصبهان، وعلى رأسه طاقيَّة. ورأيته في طريق الحجاز. وقد تغيّر لونهُ، ويبسَتْ أشداقهُ من الصَّوْم في القَيْظ.

وكان يُمْلي في بعض الأوقات وقد خلع قميصه.

وقال في مشيخته: كان حافظا كبيرا، تامّ المعرفة، يحفظ جميع «الصّحيح» لمسلم، وكان يُمْلي الأحاديث من حِفْظه.

وقال: وقدِم مرَّة من الحجّ، فاستقبله خلْقٌ كثير من أصبهان وهو على فَرَس، فكان يسير بسَيْرهم، حتّى وصل قريبا من أصبهان، ركض فَرَسَه وترك النّاس إلى أن وصل إلى البلد، وقال: أردتُ أن استعمل السُّنَّة، فإنّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُوضِعُ راحلته إذا رأى جُدُرات المدينة [١] .

وكان مطبوعا، حُلْو الشّمائل، استمليت عليه بمكَّة، والمدينة، وكتب عنّي مذاكرة. وأبطأ عليّ يوما بداره، فخرج واعتذر وقال: أوقفتُك. فقلت: يا سيّدي، الوقوف على باب المحدّث [عزّ] [٢] . فقال: لك بهذه الكلمة أستاذ؟

فقلت: لَا.

قال: أنت أستاذها [٣] .

سمعت الحافظ إسماعيل بن محمد الطّلْحيّ يقول: رَحَلَ أبو سعْد البغداديّ إلى أبي نصر الزَّيْنبيّ، فدخل بغداد وقد مات، فجعل أبو سعد يلطم على رأسه ويبكي، ويقول: من أين أجد عليّ بن الْجَعْد، عَنْ شُعْبَة [٤] ؟

وقال الحافظ عبد الله بن مرزوق الهَرَوِيّ: أبو سعد البغداديّ شُعْلة نار.

قال ابن السَّمْعانيّ: سمعت مَعْمَر بن عبد الواحد يقول: أبو سعد البغداديّ يحفظ «صحيح مسلم» . وكان يتكلَّم على الأحاديث بكلامٍ مليح [٥] .

وقال ابن النّجّار، وقد ذكر أبا سعد البغداديّ في «تاريخه» : إمام في


[١] أخرجه البخاري (١٨٠٢) و (١٨٨٦) من حديث أنس بن مالك. وأحمد في المسند ٣/ ١٥٩.
[٢] في الأصل بياض، والمستدرك من (سير أعلام النبلاء ٢٠/ ١٢١) .
[٣] في (سير أعلام النبلاء) : «إسناد.. إسنادها» . والمثبت يتفق مع (تذكرة الحفاظ ٤/ ١٢٨٥) .
[٤] تذكرة الحفاظ ٤/ ١٢٨٤.
[٥] تذكرة الحفاظ ٤/ ١٢٨٥.