للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولده الملك نور الدّين محمود، فاستولى عَلَى حلب، واستولى ولده الآخر سيف الدّين غازي أخو قُطْب الدّين مَوْدود الأعرج عَلَى الموصل.

قَالَ ابن الأثير [١] : نزل أتابَك زنكيّ عَلَى حصن جَعْبر المُطِلّ عَلَى الفُرات، وقاتَله مَن بها، فلمّا طال أرسل إلى صاحبها ابن مالك العُقَيليّ رسالة مَعَ الأمير حسّان المَنْبِجيّ، لمودَّةٍ بينهما في معنى تسليمها، ويبذل لَهُ القطاع والمال، ويتهدّده إن لم يفعل، فما أجاب، فَقُتِلَ أتابَك بعد أيّام، وثب عَلَيْهِ جماعة من مماليكه في اللّيل، وهربوا إلى القلعة، فدخلوها، فصاح أهلها وفرحوا بقتله [٢] ، فدخل أصحابه إِلَيْهِ.

حدَّثني أَبِي، عَنْ بعض خواصّه قَالَ: دخلت إِلَيْهِ في الحال وهو حيّ، فظنّ أَنّى أريد قتْله، فأشار إليَّ بإصبعه يستعطفني، فقلت: يا مولانا مَن فعل هذا؟ فلم يقدر عَلَى الكلام، وفاضت نفسه.

قَالَ [٣] : وكان حَسَن الصّورة، أسمر، مليح العينين، قد وَخَطَه الشَّيْب، وزاد عمره عَلَى السّتّين، وكان صغيرا لمّا قُتِلَ أَبُوهُ. وكان شديد الهَيْبة عَلَى عسكره ورعيّته، وكانت البلاد خرابا من الظُّلم ومجاورة الفرنج، فعمَّرها.

حكى لي والدي قال: رأيت الموصل وأكثرها خراب، بحيث يقف الْإِنْسَان قريب محلَّة الطّبّالين، ويرى الجامع العتيق، ودار السّلطان، ولا يقدر أحد أن يصل إلى جامع إلّا ومعه من يحميه، لبُعْده عَن العمارة، وهو الآن في وسط العمارة [٤] .

وكان شديد الغيرة، لا سيما على نساء الأجناد، ويقول: إنْ لم نحفظْهُنّ


[ () ]
يا راقد الليل مسرورا بأوّله ... إنّ الحوادث قد يطرقن أسحارا
لا تأمننّ بليل طاب أوّله ... فربّ آخر ليل أجّج النارا
(بغية الطلب ٢٦٨) .
[١] في الكامل ١١/ ١٠٩.
[٢] هذا يخالف ما جاء في (بغية الطلب ٢٦٨) من أن الخادم نادى أهل القلعة: «شيلوني فقد قتلت السلطان» ، فقالوا له: «اذهب إلى لعنة الله، قد قتلت المسلمين كلّهم بقتله» .
[٣] الكامل ١١/ ١١٠.
[٤] الكامل ١١/ ١١١.