للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن أَبِي السّعادات بْن الشّجريّ قَالَ: ما سَمِعْتُ في المدْح أبلغ من قول أَبِي فِراس:

وأَمامكَ الأعداءُ تَطْلُبُهُم ... ووراءك القُصّاد في الطَّلَبِ

فإذا سَلَبْتَهُم وقفتَ لهم [١] ... فَسُلِبْتَ ما تحوي من السّلب [٢]


[ () ]
كانت مساءلة الركبان تخبرنا ... عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر
ثم التقينا فلا والله ما سمعت ... أدنى بأحسن مما قد رأى بصري
فقال العلّامة الزمخشريّ:، روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم وله أنه لما قدم عليه زيد الخيل قال له: «يا زيد، ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلّا رأيته دون ما وصف لي، غيرك» . قال ابن الأنباري: فخرجنا من عنده ونحن نعجب. كيف يستشهد الشريف بالشعر، والزمخشريّ بالحديث وهو رجل أعجمي؟
قال ابن خلكان: وهذا الكلام، وإن لم يكن عين كلام ابن الأنباري، فهو في معناه لأني لم أنقله من الكتاب، بل وقفت عليه منذ زمان وعلق معناه بخاطري، وإنما ذكرت هذا لأن الناظر فيه قد يقف على كتاب ابن الأنباري فيجد بين الكلامين اختلافا، فيظنّ أني تسامحت في النقل.
وكان بين أبي السعادات وبين أبي محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن جكينا البغدادي الحريمي الشاعر المشهور تنافس جرت العادة بمثله بين أهل الفضائل، فلما وقف على شعره عمل فيه قوله:
يا سيّدي، والّذي يعيذك من ... نظم قريض يصدأ به الفكر
مالك من جدّك النبيّ سوى ... أنك ما ينبغي لك الشعر
(وفيات الأعيان) .
[١] في المنتظم: «فإذا سلبت وقفته لهم» .
[٢] قال: وما سمعت في الذمّ أبلغ من بيت لمسكويه:
وما أنا إلّا المسك قد ضاع عندكم ... يضيع وعند الأكرمين يضوع
(المنتظم) .
وقال ابن الأنباري:
وكان وقورا في مجلسه، ذا صمت، لا يكاد يتكلّم في مجلسه بكلمة إلّا وتتضمّن أدب نفس، أو آداب درس. ولقد اختصم إليه رجلان من العلويين، وفجعل أحدهما يشكو ويقول عن الآخر: إنه قال في كذا وكذا. فقال له الشريف: يا بنيّ، احتمل، فإن الاحتمال قبر المعايب.
وهذه كلمة حسنة نافعة، فإنّ كثير من الناس تكون لهم عيوب، فيغضّون عن عيوب الناس، ويسكتون عنها، فتذهب عيوب لهم كانت فيهم. وكثير من النّاس يتعرّضون لعيوب الناس، فتصير لهم عيوب لم تكن فيهم.
وكان الشريف ابن الشجري أنحى من رأينا من علماء العربية، وآخر من شاهدنا من حذّاقهم وأكابرهم. (نزهة الألباء ٣٠٠- ٣٠٢) .
وقال ياقوت: كان أوحد زمانه، وفرد أوانه في علم العربية ومعرفة اللغة واشعار العرب وأيامها