للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوزير أبو الحَسَن الكُرْديّ، العَبْديّ، الملقّب بالملك العادل سيف الدّين، وزير الخليفة الظّافر العُبَيْديّ، صاحب مصر.

كَانَ كُرْديًّا، زرْزاريًّا فيما قِيلَ، وتربّي في القصر بالقاهرة. وتنقّلت بِهِ الأحوال في الولايات بالصّعيد وغيره إلى أنّ وُلّي الوزارة في رجب سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.

وقد كَانَ الظّافر استوزر نجم الدّين سليم بْن مَصّال في أوّل دولته، وكان ابن مَصّال من كبار أمراء دولته، ثمّ تغلّب عَلَيْهِ ابن السَّلَّار، فعدّى ابن مَصّال إلى الجيزة في سنة أربع وأربعين، عند ما سَمِعَ بقدوم ابن السّلّار من ولاية الإسكندريَّة طالبا الوزارة ليأخذها بالقَهْر، فدخل ابن السَّلّار القاهرَة، وغلب عَلَى الأمور، وتولّي تدبير المملكة. ونُعِت بالعادل أمير الجيوش. فحشر ابن مَصّال وَجَمَعَ عسكرا من المغاربة وغيرهم، وأقبل، فجرّد ابن السّلّار لحربه جيشا، فالتقوا، فكُسِر ابن مَصّال بدَلاص [١] من الوجه القَبْليّ، وَقُتِلَ، وأُخذ رأسُه ودُخِل بِهِ القاهرة عَلَى رُمْحِ في ذي القعدة من السّنة.

وكان ابن السَّلّار شَهْمًا، شجاعا، مِقدامًا، مائلا إلى أرباب العِلْم والصّلاح، سُنّيًّا، شافعيّا. وُلّي ثغر الإسكندريَّة مدَّةً، واحتفل بأمر أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وزاد في إكرامه وبنى لَهُ المدرسة العادليَّة، وجعله مدرّسَها، وليس بالثّغر مدرسة للشّافعيّة سواها، إلّا أنّه كَانَ جبّارا، ظالما، ذا سَطْوة، يأخذ بالصّغائر والمحقَّرات. فممّا نقل ابن خَلِّكان [٢] في ترجمته عَنْهُ لمّا كَانَ جُنْديًّا دخل عَلَى الموفّق بْن معصوم التِّنِّيسيّ متولّي الدّيوان، فشكى لَهُ غرامة لزِمَتْه في ولايته بالغربيَّة، فقال: إنّ كلامك ما يدخل في أُذُني. فحقدها عَلَيْهِ. فلمّا وزر اختفى الموفَّق، فنودي في البلد: إنّ من أخفاه فَدَمُهُ هَدَر. فأخرجه الّذي خبَّأه، فخرج في زِيّ امْرَأَة، فعُرف، وأخُذِ، فأمر العادل بإحضار لوح خشبٍ، ومِسْمارٍ طويل، وعُمِل اللَّوحُ تحت أُذُنه، وضُرِب المِسْمار في الأُذُن الأخرى حتّى تسمَّر في اللّوح، وصار كلّما صرخ يَقُولُ لَهُ: دخل كلامي في أذنك أم لا؟


[١] دلاص: بفتح أوله وآخره صاد مهملة. كورة بصعيد مصر على غربيّ النيل، تشتمل على قرى وولاية واسعة. (معجم البلدان ٢/ ٤٥٩) .
[٢] في وفيات الأعيان ٣/ ٤١٦.