سَمِعَ من الشّيخ أَبِي الحسين أبياتا من الشِّعْر بمسجد باب الفراديسي، ثمّ قَالَ:
وهذا الشّيخ عظيم الشّأن، يقعد نحو خمسة عشر يوما لا يأكل إلّا أكلة واحدة، وأنّه يتقوّت من الخرنوب البرّيّ، وأنّه يجفِّف السّمك ويدقّه، ويَسْتَفُّه.
وحدَّثني الإمام يوسف بْن الشّيخ أَبِي الحسين الزّاهد المقدسيّ أنّ رجلا كَانَ مَعَ الشّيخ، فرأى معه صُرَّة يَسْتَفُّ منها، فمضى الشّيخ يوما وتركها، فأبصر الرجل ما فيها، فإذا فيها شيء مرّ، فتركها. فجاء الشّيخ، فقال لَهُ: يا شيخ ما في هذه الصرَّة؟ فأخذ منها كَفًّا وقال: كُل.
قَالَ: فأكلته، فإذا هُوَ سُكّر مَلْتُوت بقلْب لَوْز.
وَأَخْبَرَنَا أبو المظفَّر بْن السّمعانيّ، عَنْ والده قَالَ: سمعتُ الشّيخ عبد الواحد بْن عبد الملك الزّاهد بالكَرْخ يَقُولُ: سمعتُ أبا الحسين المقدسيّ، وكان صاحب آيات وكرامات عجيبة، وكان طاف الدّنيا، يَقُولُ: رَأَيْت أعْجميًا بخُراسان يتكلَّم في الوعظ بكلامٍ حَسَن.
قلت: في أيّها رَأَيْت؟ قَالَ: في مَرْو، واسمه يوسف، يعني يوسف بْن أيّوب الزّاهد.
قَالَ عبد الواحد: ورأيته في غير الموسم، يعني أبا الحسين، بمكَّة مرّات، فسلّمت عَلَيْهِ، فعرفني وسألني، فقلت لَهُ: أيْش هذه الحالة؟ فقال: اجتزت هاهنا، فأردت أن أطوف وأزور.
قَالَ: وحدَّثني أبو تَمّام أحمد بْن تُرْكي بْن ماضي بْن معرّف بقرية دجانية، قَالَ: حدَّثني جدّي قَالَ: كنّا بعسقلان في يوم عيدٍ، فجاء أبو الحسين الزّاهد إلى امرأةٍ معها خُبْزٌ سُخْن، فقال: يا أُمَّ فلان، نشتهي من هذا الخبز السُّخْن لزوجك. وكان في الحَجّ. فناولتْه رغيفين، فلفّهما [١] في مِئْزَر، ومضى إلى مكَّة، فقال: خُذ هذا من عند أهلك. وأخرجه سُخْنًا، ورجع.
فقالوا إنّهم رأوه ضَحْوةً بعسقلان، ورأوه ذَلكَ اليوم بمكَّة فجاء الرجل من الحَجّ، فلقي أبا الحسين، فقال: ما أنت أعطيتني رغيفين؟! قَالَ: لا تفعل قد اشتبه عليك.