للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأسلموه إلى جُنْد عَبْد المؤمن، فأتوه به، وهو الّذي قال له عَبْد المؤمن:

بَلَغَني أنّك دعيت إلى الهداية. فقال: أليس الفَجر فجرَيْن، كاذب وصادق؟

فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك وعفا عَنْهُ [١] .

وجهّز عَبْد المؤمن الشَّيْخ أَبَا حفص عُمَر إينتي، فعدّى البحر إلى الأندلس، فافتتح الجزيرة الخضراء، رُنْدَة، ثُمَّ افتتح إشبيلية، وغَرْنَاطة، وقُرْطُبة. وسار عَبْد المؤمن فِي جيوشه وعبر من زُقاق سَبْتَة، فنزل جبلَ طارق، وسمّاه: جبل الفتح. فأقام هناك شهرا، وابتنى هناك قصرا عظيمة ومدينة، فوفد إليه رؤساء الأندلس، ومدحه شُعراؤها، فمن ذلك:

ما للعِدَى جِنَّةٌ أَوْفَى من الهربِ ... أين المفرُّ وخيل اللَّه فِي الطَّلبِ

فأين يذهب من فِي رأس شاهقةٍ ... وقد رَمَتْه سهامُ اللَّه بالشُّهُبِ

حدُّث عن الروم فِي أقطار أندلسٍ ... والبحر قد ملأ البرّيْن بالعربِ [٢]

فَلَمّا أتمّ القصيدة [٣] قال عَبْد المؤمن: بمثل هذا تُمدح الخلفاء.

ثُمَّ استعمل على إشبيلية ولَدَه يُوسُف الَّذِي ولي الأمر بعده، واستعمل على قُرْطَبة وبلادها أَبَا حفص إينتي، واستعمل على غَرْنَاطة ابنه عثمان بن عبد المؤمن.

وكان قد استخدم العرب الّذين ببلاد بِجَاية، وهم قبائل من بني هلال بْن عامر، خرجوا إلى البلاد حين خلَّى بنو [٤] عُبيد بينهم وبين الطّريق إلى المغرب، فعاثوا فِي القيروان عَيْثًا شديدا وجب خرابها إلى اليوم، ودوَّخوا مملكة بني زيرك بْن مَنَاد، وهذا كان بعد موت المُعِزّ بْن باديس، فانتقل ابنه تميم إلى المهديَّة، وسار هؤلاء العربان حَتَّى نزلوا على المنصور الحماديّ، فصالحهم على أن يجعل لهم نصف غلَّة البلاد، فأقاموا على ذلك إلى أن


[١] سيعيد المؤلف هذه الحكاية في ترجمة أحمد بن قسيّ الآتية برقم (٣٧٤) .
[٢] المعجب ٣١٤، ٣١٥.
[٣] هكذا في الأصل. ولم يذكر اسم المنشد.
[٤] في الأصل: «بني» .