للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واسمه هبة اللَّه بْن عليّ بْن مَلْكا [١] ، أبو البَرَكات البَلَديّ. ووُلِدَ ببَلَد وسكن بغداد. وكان يهوديّا فأسلم فِي أواخر عمره، وخدم المستنجد باللَّه.

قال الموفَّق أَحْمَد بْن أبي أُصَيبعة: تصانيفه فِي غاية الْجَوْدة، وكان له اهتمامٌ بالغ فِي العلوم وفطرة فائقة. وكان مبدأ تعلُّمه الطّبّ أنّ أَبَا الْحُسَيْن سَعِيد بْن هبة اللَّه كان له تصانيف وتلامذة، ولم يكن يقرئ يهوديّا، وكان أوحد الزّمان يشتهي الأخْذ عَنْهُ والتّعلُّم منه، ونقل عليه بكلّ طريق فما مكّنه، فكان يتخادم للبوّاب ويجلس فِي الدِّهْليز، بحيث يسمع جميع ما يُقرأ على أبي الْحُسَيْن. فَلَمّا كان بعد سنةٍ جرت مسألة وبحثوا فيها، فلم [يجدوا] [٢] لهم عنها جوابا، وبقوا متطلّعين في حلّها، فلمّا تحقّق ذلك منهم أبو البركات، دخل وخدم الشَّيْخ، وقال: يا سيّدنا، بإذنك أتكلّم فِي هذه المسألة. فقال: قُلْ. فأجاب بشيءٍ من كلام جالينوس، فقال: يا سيّدنا، هذا جرى فِي اليوم الفُلانيّ، فِي ميعاد فلان، وحفِظْتُه. فبقي الشَّيْخ يتعجّب من ذكائه وحرصه، واستخبره عن المكان الَّذِي كان يجلس فِيهِ، فأعلمه به، فقال: من يكون عنده [ذكاؤك] [٣] ما نمنعه. وقرّبه وصار من أجَلّ تلاميذه.

وكان ببغداد مريض بالمالِيخُولْيا، بقي يعتقد أنّ على رأسه دنّا، وأنّه لا يفارقه، وكان يتحايد السُّقُوف القصيرة، ويطأطئ رأسَه، فأحضره أبو البَرَكات عنده، وأمر غلامه أن يرمي دنّا بقرب رأسه، وأن يضربه بجسمه بكسرة، فزال ذَلِكَ الوهْم عن الرجل وعُوفي، واعتقد أنّهم كسروا الدّنّ الَّذِي على رأسه.

ومثل هذه المداواة بالأمور الوهميَّة مُعْتَبَر عند الأطبّاء.

وقد أضرّ أبو البَرَكات فِي عُمره، وكان يُملي على عليّ الحمّال بن


[ () ] البدور ٢/ ١٠٥، وكشف الظنون ١٧٣١، وشذرات الذهب ٤/ ١٨٥، وهدية العارفين ٢/ ٥٠٥، ٥٠٦، ومعجم المؤلفين ١٣/ ١٤٢، ١٤٣.
[١] انظر التعليق على اسمه في حواشي الترجمة رقم (٣٦٧) .
[٢] في الأصل بياض.
[٣] في الأصل بياض.