للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصالح ملك صَقَلْية وهادنه على أن يحمل إليه كلّ سنة مالا، فأرسل إليه فيما بلغني ذخائر معدومة النّظير، منها حجر ياقوت على قدر استدارة حافر الفَرَس، فكلّلوا به المصحف، مع أحجار نفيسة. وهذا المصحف من مصاحف عثمان رضي اللَّه عنه، من خزائن بني أميّة، يحمله الموحّدون بين أيديهم أنّى توجّهوا على ناقةٍ عليها من الحُلِي والدّيباج ما يعدل أموالا طائلة.

وتحته وطاء من الدّيباج الأخضر، وعن يمينه وشماله لواءان أخضران مذهّبان لطيفان. وخلف النّاقة بغْلٌ مُحَلَّى عَلَيْهِ مصحف آخر. قيل إنّه بخط ابْن تُومَرْت. هذا كلّه بين يدي أمير المؤمنين.

قال: وبلغني من سخاء أَبِي يعقوب أنّه أعطى هلال بْن مُحَمَّد بْن سعد المذكور أَبُوهُ فِي يوم اثني عشر ألف دينار وقرّبه، وبالغ فِي رفْع منزلته.

وقال الحافظ أَبُو بَكْر بْن الجدّ: كُنَّا عند أمير المؤمنين أَبِي يعقوب، فسألنا عَن سِحْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كم بقي مسحورا؟ فبقي كلّ إنسانٍ منّا يتزمزم، فقال: بقي به شهرا كاملا. صحّ ذلك.

وكان أمير المؤمنين إماما يتكلّم فِي مذاهب الفقهاء فيقول: قول فلانٍ صواب، ودليله من الكتاب والسّنّة كذا كذا، فنتابعه على ذلك.

قال عَبْد الواحد: ولمّا تجهّز لحرب الروم أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث فِي الجهاد تُمْلى على الموحّدين ليدرسوا. ثمّ كان هُوَ يُملي بنفسه عليهم، فكان كلّ كبيرٍ من الموحّدين يجيء بلوح ويكتب.

وكان يُسهل عَلَيْهِ بذل الأموال سعة ما يتحصّل من الخراج. كان يرتفع إليه من إفريقية فِي كلّ سنة مائة وخمسون، حمل بغل، هذا سوى حملِ بجّاية وأعمالها، وتلْمِسان وأعمالها. وكانت أيّامه مواسم وخصْبًا وأمْنًا.

وفي سنة تسع وسبعين تجهّز للغزو واستنفر أهل السّهل والجبل والعرب، فعبر بهم الأندلس فنزل إشبيلية، ثمّ قصد مدينة شَنْتَرِين أعادها إلى المسلمين، وهي بغرب الأندلس. أخذها ابْن الربق لعنه اللَّه، فنازلها أَبُو