للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكثير من أهل مُرْسِية وأسكن الفِرنج دُورَهم. فالتقى هُوَ والموحّدون على فرسخ من مُرْسِية، فانكسر وانهزم جيشه، وقتِل منهم جملة. ودخل مُرْسِية مستعدّا للحصار، فضايقه الموحدون، وما زالوا محاصرين لَهُ إلى أن مات، فسُتِرت وفاتُه إلى أن ورد أخوه يوسف بْن سعد من بَلَنْسِيَة، فاتّفق رأيه ورأي القُواد على أن يسلّموا إلى أَبِي يعقوب البلادَ. ففعلوا ذلك.

وقد قيل إنّ مُحَمَّد بْن سعد لمّا احتضر أشار على بنيه بتسليم البلاد.

وسار أَبُو يعقوب من إشبيلية قاصدا بلاد الأدفنش [١] لعنه اللَّه تعالى.

فنازل مدينة وبزي، وهي مدينة عظيمة، فحاصرها أشهرا إلى أن اشتدّ الأمر وأرادوا تسليمها.

قال: فأخبرني جماعة أن أهل هذه المدينة لمّا برّح بهم العطش أرسلوا إلى أَبِي يعقوب يطلبون الأمان، فأبى، وأطمعه ما نُقِل إليه من شدّة عَطَشَهم وكثْرة من يموت منهم فلمّا يئسوا [٢] من عنده سُمِع لهم فِي اللّيل لغَطٌ وضجيج، وذلك أنّهم اجتمعوا يدعون اللَّه ويستسقون، فجاء مطرٌ عظيم كأفواه القرَب ملأ صهاريجهم وتقوّوا، فرحل عَنْهُمْ أَبُو يعقوب بعد أن هادَنَ الأدفنش [٣] سَبْع سِنين.

وأقام بإشبيليّة سنتين ونصف، ورجع إلى مَراكُش فِي آخر سنة تسعٍ وستّين وقد ملك الجزيرة بأسرها.

وفي سنة إحدى وسبعين خرج إلى السُّوس لتسكين خلافٍ وقع بين القبائل فسكّنهم.

وفي سنة خمس وسبعين خرج إلى بلاد إفريقية حتّى أتى مدينة قَفْصة.

وقد قام بها ابْن الرّند، وتلقّب بالنّاصر لدين النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحاصره وأسره،


[١] في الأصل: «الادنش» .
[٢] في الأصل: «يأسوا» .
[٣] في الأصل: «الفنش» .