للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشّهْرَزُوريّ، بحكم العهد إِلَيْهِ من عمّه القاضي كمال الدّين قاضي الشّام، فلم يعزله السّلطان صلاح الدّين، وآثر أن يكون الحكم لابن أبي عصرون، فاستشعر ذَلِكَ ضياء الدّين، فاستعفى فأُعفي، وبقي عَلَى وكالة بيت المال.

ووُلّي القضاء ابن أَبِي عَصْرون، وناب فِي القضاء الأوْحد دَاوُد، والقاضي محيي الدّين مُحَمَّد بْن الزَّكيّ، وكُتِب لهما توقيع سلطانيّ، فكانا فِي حكم المستقلّين، وإنْ كَانَ فِي الظّاهر نائبين، وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين. فَلَمَّا عاد السّلطان من مصر سنة سبْعٍ وسبعين تكلّم النّاس فِي ذهاب بصر ابن عَصْرون، ولم يذهب بالكلّية أَوْ ذهب، فولّي السّلطان القضاءَ لولده القاضي محيي الدّين من غير عزْلٍ للوالد. واستمرّ هَذَا إلى سنة سبْعٍ وثمانين، فَصُرِف عَنِ القضاء، واستقلّ قاضي القضاة محيي الدين بْن الزَّكيّ.

ويُقَالُ إنّ هَذَا لَهُ:

أؤمّل أن أحيا وَفِي كُلّ ساعةٍ ... تمرُّ بي الموتى تهزّ نعوشها

وما أَنَا إلّا مثلهم غير أنّ لي ... بقايا ليالٍ فِي الزّمان أعيشها

وتوفّي إلى رضوان الله في حادي عشر رمضان. ودفن بمدرسته بدمشق.

وقد سُئل عَنْهُ الشَّيْخ الموفّق فَقَالَ: كَانَ إمام أصحاب الشّافعيّ فِي عصره، وكان يذكر الدّرس فِي زاوية الدَّوْلَعيّ، ويصلّي صلاة حَسَنَة ويُتِمّ الرُّكوع والسّجود. ثُمَّ تولّى القضاء فِي آخر عمره وعَمِي. وسمعنا درسه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَر، وانقطعنا عَنْهُ، فسمعت أَخِي رحِمَه اللَّه يَقُولُ: دخلتُ عليه بعد انقطاعنا فَقَالَ: لِمَ انقطعتم عنّي؟ فقلت: إنّ ناسا يقولون إنّك أشْعرِيّ. فَقَالَ:

واللَّه ما أَنَا بأشْعرِيّ. هَذَا معنى الحكاة.

ومن شِعر القاضي شرف الدين:

كُلّ جَمْع فِي الشّتات يصيرُ ... أيُّ صَفْوٍ ما شانه تكديرُ

أَنْت فِي اللَّهْو والأماني مقيمٌ ... والمنايا فِي كُلّ وقتٍ تسيرُ

والَّذِي غرّه بلوغُ الأماني ... بسَراب وخُلَّبٍ مغرورُ

ويكِ يا نفسُ أخْلصي إنَّ ربّي ... بالَّذِي أَخْفَتِ الصُّدورُ بصيرُ