للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الشَّيْخ قُطْب الدّين فِي «تاريخه» أنّ سنانا سيَّر إِلَى صلاح الدّين- رحِمَه اللَّه- رسولا، وأمره أن لا يؤدّي رسالته إلّا خَلْوةً، ففتَّشه صلاح الدّين، فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى لَهُ المجلس، إلّا نفر يسير، فامتنع من أداء الرسالة حَتَّى يخرجوا، فأخرجهم كلَّهم، سوى مملوكين، فَقَالَ: هاتِ رسالتك. فَقَالَ: أُمِرْت أن لا أقولها إلّا فِي خَلْوة. فَقَالَ: هذان ما يخرجان، فإنْ أردتَ تذكر رسالتَك، وإلّا فقُمْ. قَالَ: فلِمَ لا يَخْرُج هذان [١] ؟ قَالَ:

لأنهما مثل أولادي.

فالتفت الرَّسُول إليهما، وقَالَ لهما: إذا أمرتكما عَنْ مخدومي بقتل هَذَا السّلطان تقتلانه؟ قَالا: نعم. وجَذَبا سيفيهما. فبُهت السّلطان، وخرج الرَّسُول وأخذهما معه. وجَنَحَ صلاح الدّين إِلَى الصُّلح والدّخول فِي مَرَاضيه.

قُلْتُ: هَذِهِ حكاية مرسَلَة، واللَّه أعلم بصحّتها.

وقَالَ كمال الدّين: أنشدني الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن الخشّاب قَالَ: أنشدني شيخ الإسماعيليّة قَالَ: أنشدني سِنان لنفسه:

ما أكثرَ النّاسَ وما أَقَلَّهُمْ ... وما أقلَّ فِي القليل النُّجَبَا

ليتَهُمْ إذْ لَمْ يكونوا خُلِقُوا ... مُهذَّبين صَحِبُوا مُهَذَّبَا

قَالَ: وقرأتُ عَلَى ظهر كتابٍ لسِنان صاحب الدّعوة:

أَلْجَأَني الدّهرُ إِلَى مَعْشَرٍ ... ما فيهم للخير مستَمتَعُ

إنْ حدَّثوا لَمْ يُفهِموا سامِعًا ... أَوْ حُدِّثوا مَجُّوا ولم يَسْمَعُوا [٢]

تقدُّمي أخَّرني فيهُمُ ... مَنْ ذَنْبُه الإحسانُ ما يصنع؟

[٣]


[١] في الأصل: «هاذان» .
[٢] البيتان فقط في التذكرة لابن العديم، ورقة ٢٤٤.
[٣] ومن شعر سنان:
لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى ... طرّا لكنت صديق كلّ العالم
لكن جهلت فصرت تحسب أنّ من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم