للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخيالات غير صائبة، فإنّ الجواهر لا تزول بالأعراض، كَمَا أنّ الأرواح لا تضمحلّ بالأمراض. وإن عُدنا إِلَى الظّواهر، وعدلنا عَنِ البواطن، فلنا فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوة حَسَنَة: ما أُوذي نبيُّ ما أُوذِيتُ. وَقَدْ علِمتم ما جرى عَلَى عتُرته وشِيعته، والحال ما حال، والأمرُ ما زال، وللَّه الأمرُ فِي الآخرة والأولى. وَقَدْ علِمتم ظاهر حالنا، وكيفيَّة رجالنا، وما يتمنَّونَه منَ الفَوْت، ويتقرّبون بِهِ إلى حِياض الموت، وَفِي المّثَل: «أَوَ لِلْبَطّ تهدّد بالشّطّ» ؟ فهيّئ للبلايا أسبابا، وتدرّع للرّزايا جِلْبابا، فلأَظْهَرَنّ عليك منك، وتكون كالباحث عَنْ حتْفه بظلفِه، وما ذَلِكَ عَلَى اللَّه بعزيز، فإذا وقفت عَلَى كتابنا هَذَا، فكُن لأمرنا بالمرصاد، ومن حالك عَلَى اقتصاد، وأقرأ «النَّحل» [١] وآخر، «ص» [٢] .

وقَالَ كمال الدّين: حَدَّثَنِي النَّجم مُحَمَّد بْن إِسْرَائِيل قَالَ: أخبرني المُنْتَجبُ بْن دفتر خوان قَالَ: أرسلني صلاح الدّين إلى سِنان زعيم الإسماعيليّة حين وثبوا عَلَى صلاح الدّين للمرَّة الثّالثة بدمشق، ونعى القُطْب النَّيْسابوريّ، وأرسل معي تهديدا وتخويفا، فلم يُجِبْه، بل كتب عَلَى طُرَّة كتاب صلاح الدّين، وقَالَ لنا: هَذَا جوابكم.

جاء الغرابُ إِلَى البازيّ يهدّدهُ ... ونبهت لصراع الأُسْد أضبعُه

يا مَنْ يهدّدني بالسِّيف خُذْهُ وقُمْ ... لا قام مِصْرعُ جنْبي حين تصرعُه

يا مَنْ يسدّ فم الأَفْعَى بإصبعه ... يكفيه ما لَقِيَتْ من ذاك أصبعُه

[٣] ثُمّ قَالَ: إنّ صاحبكم يحكم عَلَى ظواهر جُنْده، وأنا أحكم عَلَى بواطن جُنْدي، ودليله ما تشاهد الآن. ثُمّ دعا عشرة من صبيان القاعة، وكان عَلَى حصنه المُنِيف، فاستخرج سكّينا وألقاها إِلَى الخندق، وقَالَ: مَنْ أراد هَذِهِ فلْيُلْقِ نفسَه خلفها. فتبادَروا جميعا وثْبًا خلفها، فتقطّعوا. فعُدنا إِلَى السّلطان صلاح الدّين وعرّفناه، فصالحه.


[١] أول سورة النحل: «أتى أمر الله فلا تستعجلوه ... » .
[٢] آخر سورة ص: «ولتعلمنّ نبأه بعد حين» .
[٣] تقدّمت هذه الأبيات بصيغة مختلفة قبل قليل.