للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّين عَلَى السّلطان صلاح الدّين، وليُرهب صلاح الدّين، لئلّا يطمع ويقصد المَوْصِل، فانضمّ إِلَيْهِ عسكر حلب، وسار فِي جَمْعٍ كثير، فوقع المصافّ عَلَى قُرُون حماه، فكسره صلاح الدّين، وأسَر جماعة من أمرائه فِي سنة سبعين، كَمَا ذكرناه فِي الحوادث.

وعاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل ثالثا، فمرض فِي الحَرّ مرضا أشفى منه عَلَى الموت، فترحّل إِلَى حَرَّان، فسيّر صاحب المَوْصِل عزّ الدّين رسولا، وَهُوَ القاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد إِلَى صلاح الدّين فِي الصُّلْح. فأجاب وحلف لَهُ وَقَدْ تماثل من مرضهِ. ووفى لَهُ إِلَى أن مات. فلم تطُلْ مدّة عزّ الدّين بعد صلاح الدّين، وعاش أشهرا.

وتُوُفّي فِي شعبان فِي التّاسع والعشرين منه.

قَالَ ابن الأثير [١] : وكان قَدْ بَقِيّ ما يزيد عَلَى عشرة أيّام لا يتكلّم إلّا بالشّهادتين وتلاوة القرآن، وَإِذَا تكلَّم بغيرها استغفر اللَّه، ثُمّ عاد إِلَى التّلاوة، فرُزق خاتمة سعيدة.

وكان خيّر الطَّبْع، كثير الخير والإحسان، يزور الصّالحين ويقرّبهم ويشفّعهم. وكان حليما حيِّيًّا، لَمْ يكلّم جليسه إلّا وَهُوَ مُطْرِق. وكان قَدْ حجّ، ولبس بمكّة خِرْقَةَ التَّصَوُّف. فكان يلبس تِلْكَ الخِرْقة كُلّ ليلة، ويخرج إِلَى مَسْجِد داره، فيصلّي فِيهِ إلى نحو ثلث اللّيل. وكان رقيق القلب، شَفوقًا عَلَى الرّعيّة.

قُلْتُ: ودُفِنَ فِي مدرسته بالموصل، وهي مدرسة كبيرة عَلَى الشّافعيّة والحنفيّة، وتسلطن بعده ولده نور الدّين إِلَى أن مات عَنْ ولدين وهما: القاهر عزّ الدين مَسْعُود، والمَنْصُور عماد الدّين زنكي.

وقسّم البلاد بينهما، فأعطى القاهر المَوْصِل، وأعطى المنصور قلاعا.

وقد توفّي القاهر صاحب المَوْصِل فجأة فِي سنة خمس عشرة وستّمائة، ودفن بمدرسته.


[١] في الكامل ١٢/ ١٠١، ١٠٢.