للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نازل بلدا، وأشرف عَلَى أخْذِه، ثُمّ طلبوا منه الأمان أمَّنهم، فيتألَّم جيشه لذلك لفوات حظّهم. وقد عاقد الفرنج وهادنهم عند ما ضرس عسكره الحرب وملّوا.

قَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد: قَالَ لي السّلطان فِي بعض محاوراته فِي الصُّلح: أخاف أنْ أصالح، وما أدري أَيّ شيءٍ يكون منّي، فيقوى هَذَا العدوّ، وَقَدْ بقيت لهم بلادٌ فيخرجون لاستعادة ما فِي أيدي المسلمين، وترى كُلّ واحدٍ من هَؤُلَاءِ، يعني أخاه وأولاده وأولاد أَخِيهِ، قَدْ قعد فِي رأس تلةٍ، يعني قلعته، وقَالَ لا أنزل. ويهلك المسلمون.

قَالَ ابن شدّاد: فكان واللَّه كَمَا قَالَ. تُوُفّي عَنْ قريبٍ، واشتغل كُلّ واحدٍ من أَهْل بيته بناحية، ووقع الخُلْف بينهم.

وبعد، فكان الصُّلح مصلحة، فلو قُدِّر موتُه والحربُ قائمةٌ لكان الْإِسْلَام عَلَى خَطَر.

ومات رحِمَه اللَّه قبل الرابع عشر، ووَجِدَ النّاس عليه شبيها بما يجدونَه عَلَى الأنبياء. وما رَأَيْت ملكا حزن النّاس لموته سواه، لأنّه كَانَ محبَّبًا، يحبّه البَرّ والفاجر، والمسلم والكافر.

ثُمّ تفرّق أولاده وأصحابه أيادي سبإ، ومُزقوا فِي البلاد.

قُلْتُ: ولقد أجاد فِي مدحه العماد رحِمَه اللَّه حيث يَقُولُ:

وللنّاس بالمالك النّاصر ... الصّلاح صلاح ونصر كبير

هُوَ الشّمس أفلاكه فِي البلاد ... ومطلعه وسرْجُه والسريرُ

إذا ما سطا أَوْ حبا واحتبى ... فَمَا الليثُ مَنْ حاتم ما ثبير

وقد طوّل القاضي شمس الدّين ترجمته [١] فعملها في تسع وثلاثين ورقة بالقطع الكبير، فممّا فيها بالمعنى أنّ صلاح الدّين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبكّ لمّا أخذها الأتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين [٢] .


[١] في وفيات الأعيان.
[٢] انظر: ذيل تاريخ دمشق ٢٦٩، ٢٧٠، ووفيات الأعيان ٧/ ١٤٤.