ثُمّ إنّ صلاح الدّين رَأَى أنّ عَوْد العادل إِلَى مصر، وعَوْد الظّاهر إِلَى حلب أصلح. وعوّض بعدُ العادل بحرّان، والرُّها، وميّافارقين.
وَفِي شعبان سنة إحدى وثمانين نزل صلاح الدّين عَلَى المَوْصِل، وتردّدت الرُّسُل بينه وبَيْنَ صاحبها عزّ الدّين.
ثُمّ مرض صلاح الدّين، فرجع إِلَى حَرّان، واشتدّ مرضه حَتَّى أَيِسوا منه، وحلفوا لأولاده بأمره، وَجَعَل وصيَّه عليهم أخاه العادل وكان عنده. ثُمّ عوفي ومرَّ بحمص وَقَدْ مات بها ابن عمّه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن شيركوه، فأقطعها لولده شيركوه. ثُمّ استعرض الترِكة فأخذ أكثرها.
قَالَ عزّ الدّين ابن الأثير: وكان عُمَر شيركوه اثنتي عشرة سنة.
ثُمّ إنَّه حضر بعد سنة عِنْد صلاح الدّين، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ بلغت فِي القرآن؟ قَالَ: إلى قوله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً ٤: ١٠ [١] فعجب الحاضرون من ذكائه.
وَفِي سنة اثنتين وثمانين عاد الظّاهر فدخل حلب، وزوّجه أَبُوهُ بغازية بِنْت أَخِيهِ الملك العادل، فدخل بها بحلب فِي السّنة.
وَفِي سنة ثلاثٍ افتتح صلاح الدّين بلاد الفِرَنج، وقهرهم وأباد خضراءهم، وأسَرَ ملوكهم، وكسرهم عَلَى حِطّين. وافتتح القدس، وعكّا، وطبريّة، وغير ذَلِكَ.
وكان قَدْ نذر أن يقتل البرنس أَرْناط صاحب الكَرَك، فكان مِمَّنْ وقع فِي أسرهْ يومئذٍ، وكان قَدْ جاز بِهِ قومٌ من مصر فِي حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصّلح الّذي بينه وبَيْنَ المسلمين، فَقَالَ ما فِيهِ استخفاف بالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم، فاستحضرهم صلاح الدّين، ثُمّ ناول الملك جفري شربة من جُلاب وثلج، فشرب، وكان فِي غاية العَطَش، ثُمّ ناولها البرنْس أرناط، فشرب. فَقَالَ السّلطان للتَّرجُمان: قُلّ للملك جفْري، أَنْت الَّذِي سقيته، وإلّا أنا فما سقيته.