للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمّ استحضر البرنس فِي مجلسٍ آخر وقَالَ: أَنَا انتصر لمحمد منك. ثُمّ عَرَضَ عليه الْإِسْلَام، فامتنع فسَلَّ النّيمجاه [١] ، وحلّ بها كتِفَه، وتمّمه بعض الخاصّة.

وافتتح فِي هَذَا العام مِنَ الفتوحات ما لَمْ يفتحه ملك قبله، وطار صيتُه فِي الدُّنْيَا، وهابته الملوك.

ثُمّ وقع المأتم والنَّوح فِي جزائر الفِرَنج، وإلى رومية العُظْمَى، ونودي بالنّفير إِلَى نُصرة الصّليب، فأُتي السلطانَ من عساكر الفِرَنج ما لا قِبَل لَهُ بِهِ، وأحاطوا بعكّا يحاصرونها، فسار السّلطان إليها ليكشف عَنْهَا، فعِيلَ صبرُه، وبذل فوق طاقته، وجرت لَهُ أمورٌ وحروبٌ قَدْ ذكرتُها فِي الحوادث. وبقي مرابطا عليه نحوا من سنتين، فاللَّه يُثيبه الْجَنَّة برحمته.

وكتب القاضي الفاضل بطاقة إِلَى ولده الملك الظّاهر صاحب حلب: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ٣٣: ٢١ [٢] ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ٢٢: ١ [٣] .

كتبتُ إِلَى مولانا السّلطان الملك الظّاهر أحسن اللَّه عزاءه، وجَبَرَ مُصابه، وَجَعَل فِيهِ الخَلَفَ فِي السّاعة المذكورة، وَقَدْ زُلزِل المسلمون زلزالا شديدا، وَقَدْ حفرت الدموعُ المحاجر، وبلغت القلوبُ الحناجر. وَقَدْ ودَّعت أباكَ ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده، وقبّلت وجهه عنّي وعنك، وأسلمته إِلَى اللَّه تَعَالَى، مغلوبَ الحيلة، ضعيف القوّة، راضيا عَنِ اللَّه، ولا قوَّة إلّا باللَّه، وبالباب مِنَ الجنود المجنَّدة، والأسلحة المعمّدة [٤] ، ما لَمْ يدفع البلاء ولا ما [٥] يردّ القضاء، تدمع العين، ويخشع الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرضِي الرَّبَّ، وإنّا بك [٦] يا يوسف لمحزونون [٧] . وأمّا الوصايا


[١] هكذا بالياء.
[٢] سورة الأحزاب، آية ٢١.
[٣] سورة الحج، الآية ١.
[٤] في وفيات الأعيان ٧/ ٢٠٥ «المعدّة» .
[٥] في وفيات الأعيان ٧/ ٢٠٥ «ولا ملك» .
[٦] في وفيات الأعيان ٧/ ٢٠٥ «وإنّا عليك» .
[٧] في وفيات الأعيان ٧/ ٢٠٥ «لمحزونون يا يوسف» .