قال أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ [١] : برع فِي الفقه حتّى صار أوحد زمانه، وتفرَّد بمعرفة الأصول والكلام. قرأت عليه بواسط عِلْم الأصول، وما رَأَيْت أجمع لفنون العِلم منه، مع حسن العبادة.
قال: وخرج رسولا إِلَى خُوارزْم شاه إِلَى أصبهان، فمات فِي طريقه بهَمَذان فِي ذي القعدة.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: وكان بالنّظاميَّة المُجِير الْبَغْدَادِيّ، وكان ضئيلا، طوالا، ذكيّا، دقيق الفهم، غوّاصا على المعاني، غير منفعلٍ عند المناظرة يُعِدّ لها كلّ سلاح، ويستعمله أفضل استعمال. وكان يشتغل فِي الخفْية بالهندسة، والمنطق، وفنون الحكمة، على أَبِي البركات اليهوديّ كان، ثمّ أسلم فِي آخر عمره وعمي، وكان يُملي عليه وعلى جماعة، منهم ابن الدّهّان المنجّم، ومنهم والدي، ومنهم المهذَّب بْن النّقّاش كتاب «المعتبر» له. هذا حكاية ابن الدهّان لي بدمشق.
وكان شيخا فاضلا، بنى له نور الدّين المارِسْتان بدمشق، ونشر بها عِلْم الطّبّ.
وكان بين المُجِير وبين ابن فضلان مناظرة كمحاربة، وكان المُجير يقطعه كثيرا.
ثمّ إنّ ابن فضلان شنَّع عليه بالفلسفة، فخرج إِلَى دمشق، واتّصل بامرأةٍ من بنات الملوك، وبُنيت له مدرسة جاروخ، واستخلص من المرأة جوهرا كثيرا، فكثُر التّعصُّب عليه، فتوجَّه إِلَى شيراز، وبنى له مِلكها شرفُ الدّين مدرسة، فلمّا جاءت دولة ابن القصّاب أحضره إِلَى بغداد، وولّاه تدريس النّظاميَّة، ويوم ألقى الدّرس كان يوما مشهودا، فدرَّس بها أسبوعا. وسُيِّرَ فِي الرسالة فلم يرجع.
وحضر مرة بدمشق مجلس المناظرة بحضرة القاضي كمال الدّين