عمرت مقامات الملوك بذِكرهِ ... وتعطّرت منه الرّياح تأرُّجَا
وجد الوجود وقد دجا فأضاءه ... ورآه في الكرب العظام ففرَّجا
ولمّا قدِمْتُ عليه أكرم مقدمي، وأعذب فِي مشارعه مَوْردي، وأنجح فِي حُسْن الإقبال والقبول مقصدي، وقرَّر لي الرُّتبة والرَّاتب، وعيَّن أوقات الدّخول إِلَى مجلسه بغير مانع ولا حاجب. وكانت أكثر مجالسة المرتبة بحضور العلماء والفُضَلاء، يفتتح فِي ذلك بقراءة القرآن، ثُمَّ يقرأ بين يديه قدر ورقتين أو ثلاث من الأحاديث النّبويَّة. وربّما وقع البحث فِي معانيها، ثُمَّ يختم المجلس بالدّعاء، فيدعو هُوَ. وكذا كان يدعو عند نزوله من الركوب.
ثُمَّ ينزل فيدخل قصره.
والّذي أعلمه مِن حاله أنّه كان يُجِيد حِفْظ القرآن، وكان يحفظ متون الأحاديث، ويتكلَّم فِي الفقه والأحكام كلاما بليغا، ويُنَاظر ويُباحث. وكان فُقهاء الوقت يرجعون إليه فِي الفتاوى والمُشكلات وله فتاوٍ مجموعة. وكانوا ينسبونه إِلَى مذهب الظّاهر والحُكم بالنّصوص.
وكان فصيح العبارة، مَهِيبًا، ملحوظ الإشارة، مع تمام الخِلْقة وحُسْن الصّورة وطلاقة البِشْر، لا يُرى منه اكفهرار، ولا له عن مجالِسِه إعراض ولا ازوِرار. يدخل عليه الدّاخل فيراه بزِيّ الزّهّاد والعلماء، وعليه جلالة الملوك.
وقد صنَّف كتاب «التّرغيب» فِي الأحاديث الّتي فِي العبادات، فَمَنْ فتاويه: حضانة الولد للأمّ ثُمَّ للأب ثُمَّ للجَّدة.
اليمين على المنكِر ولا ترد على المُدَّعي بحال، مَن نكل عن اليمين حُكِم عليه بما نُكِل عَنْهُ، الشُّفْعه لا تنقطع إلّا بتصريحٍ من الّذي يجب له إسقاطها، مَن ادَّعى العَدم وأشكل أمره، خُيِّر طالبه بين أن يخلى سبيلَه، وبين أن يحبسَه وينفق عليه.