للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقام عند السِّلَفيّ زمانا، وأملى أمالي.

روى عَنْهُ شيخه السِّلَفيّ، وكان يعظّمه ويُبجّله ويعجب بكلامه.

ثمّ قدِم بغدادَ فسكنها [١] .

وكان يعِظ بالنّظاميّة. وحضرتُ مجلسه مِرارًا. وكان مليح الوجه متبرّكا، واسع الجبهة، منوّرا، بهيّا، ظريف الشَّكل، عالما أديبا، له لسان مليح فِي الوعظ، حَسَن الإيراد، حُلْو الاستشهاد، رشيق المعاني، وله قبولٌ تامّ، وسوقٌ نافعة، ثمّ فَتَرَتْ ولزِم داره. وكان يُرْمَى بأشياء مِنها الخمر، وشراء الجواري المغنّيات وسماع الملاهي المحرَّمة، وأُخرج مِن بغداد مِرارًا لذلك.

وكان يُظهِر الرَّفضْ.

وأنشدني أَحْمَد بْن عُمَر المؤدّب أنّ الواعظ البلخيّ أنشد لنفسه دو بيت:

دَعْ عنْك حديث من يميتك غدا ... واقطع زمن الحياة عيشا رغدا

لا تَرْجُ هوى ولا تعجل كَمَدا ... يوما تُمضِيه لا تراهُ أبدا [٢]

وسمعت أَخي عليّ بْن محمود يقول: كان البلْخيّ الواعظ كثيرا ما يرمُز فِي أثناء مجالسه سبّ الصّحابة. سمعته يقول: بكت فاطمة عليها السّلام، فقال لها عليٌّ: كم يبكين عليَّ؟ أأخذتُ منك فدك؟ أأغضبتك؟ أفعَلت، أفعلت؟


[١] المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ١٦.
[٢] وأنشد يوما في النظامية:
سقاهم الليل كاسات السري فغدوا ... منه سكارى كأنّ الليل خمار
وصيّر الشوق أطواقا عمائمهم ... لا يعقلون أقام الحيّ أم ساروا
ونسمة الفجر إذا مرّت بهم سحرا ... تمايلوا وبدا للسكّر آثار
فلم يبق في المجلس إلّا من قام وصاح وتواجد. وأنشد أيضا:
مددت يدي في الحب نحو سائلا ... وقلت لجفني أذر دمعك سائلا
تفقهت في علم الصبا والهوى ... فمن شاء فليأن على المسائلا
(ذيل الروضتين ١٨) .