للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أخو السّلطان غياث الدّين أَبُو الفتح مُحَمَّد، المذكور سنة تسعٍ وتسعين، وقد امتدّت أيّامهما وافتتحا بلادا كثيرة، وشَهِدا حروبا عديدة.

قَالَ أبو الحسن ابن الأثير في «تاريخه» [١] : قُتل السّلطان شهاب الدّين الغُوري صاحب غَزْنة والهند وبعد خُراسان بمُخَيَّمِهِ بعد عَوده من لهاوُر [٢] ، وذلك أنّ نَفَرًا من الكُفّار الكوكريَّة لزِموا عسكره عازمينَ عَلَى اغتياله لِما فعل بهم من القَتْل والسَّبْي، فلمّا كانت هذه اللّيلة، تفرَّقَ عَنْهُ أصحابُه، وكان معه من الأموال ما لا يُحصى، فإنّه كَانَ عازما عَلَى قصْد الخطَا والاستكثار من العساكر، وتفريق المال فيهم، وكان عَلَى نِيَّة جيّدة من قتال الكفّار، فكان ليلتئذٍ وحده في خركاه، فثار أولئك النّفر، فقتلوا بعضَ الحرس، فصاح المقتولُ، فثار إِلَيْهِ الحرسُ من مواقفهم من حول السّرَادِق لينظروا ما الأمر، وأخلوا مراكزَهم، فاغتنم الكوكريَّة الفرصة، وهجموا عَلَى السّلطان، فضربوه بالسكاكين وخرجوا، فدخل عَلَيْهِ أصحابُه فوجدوه عَلَى مُصلاه قتيلا وهو ساجد، وأُخِذ أولئك فقُتلوا، وحفظ الوزيرُ والأمراءُ الخزائن، وصَيَّروا السّلطان في مِحَفَّة، وحفّوها بالجسم والصّناجق يُوهمون أَنَّهُ حَيّ. وكانت الخزانة عَلَى ألفين ومائتي جَمَل، وسارُوا إِلى أن وصلوا إِلى كرمان، وكاد يَتَخَطَّفُهُمْ أهلُ تِلْكَ النّواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدّين ألْدُز، فجاء ونزل وقَبَّلَ الأرضَ، وكشف المِحَفَّة، فلمّا رأى السّلطان ميتا، شقٌ ثيابَه وبكى، وبكى الأمراء وكان يوما مشهودا. وكان ألْدُز من أكبر مماليكه وأَجَلّهم، فلمّا قُتل شهاب الدّين، طمع أن يملك غَزْنة، وحُمِل السّلطان إِلى غَزْنة، فدُفِنَ في التّربة الّتي أنشأها.

وكان ملكا شجاعا غازيا، عادلا، حَسَن السّيرة، يحكم بما يُوجبه الشّرع، يُنصِفُ الضّعيفَ والمظلوم، وكان يَحْضُرُ عنده العلماء، وقد جاء أنّ الفخر الرّازيّ صاحبَ التّصانيف وعظ عنده مرّة، فقال في كلامه: يا سلطان


[١] في الكامل ١٢/ ٢١٢، ٢١٣.
[٢] في الأصل: «نهاور» وهو تصحيف. وهي مدينة لاهور المشهورة في الهند.