للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان صديقا لعليّ ابن جمال الدّين ابن الْجَوْزيّ، والجامع بينهما قِلَّة الدِّين.

قَالَ شمسُ الدّين أَبُو المُظَفَّر الواعظ [١] : قَالَ لي خالي أَبُو الْقَاسِم عَليّ يوما بعد موت جدّي بيسير: لي صديقٌ يشتهي أن يراك، ولم يُعرِّفني من هُوَ، فمَشيت معه، فأدخَلني دارا فشَممْتُ رائحة الخَمْر، وَإِذَا الرُّكن عَبْد السَّلَام وعنده مُرْدان، وَهُوَ في حالة قبيحة، فلم أقعد، وخرجتُ، فصاح خالي والرُّكن، فلم ألتفت، فتبعني خالي وَقَالَ: خَجَّلتني من الرجل!! فَقُلْتُ: لَا جزاك اللَّه خيرا! وأغلظتُ لَهُ.

وُلد الرَّكن في سنة ثمانٍ وأربعين. وَسَمِعَ من جَدّه، وابن البَطِّيّ، وجماعة.

وقرأ بنفسه، وكتب. وأُنكر عَلَيْهِ نظرُهُ في علم النّجوم. ثُمَّ درّس بمدرسة جَدّه وغيرها. وولي عدَّة ولايات.

وَتُوُفِّي في ثالث رجب.

قَالَ ابن النَّجَّار: ظهر عَلَيْهِ أشياء بخطّه من العزائم وتبخير الكواكب ومخاطبتها بالإلهيَّة، وأنّها المُدبّرة للخلْق، فأحضر وأُوقف عَلَى ذلكَ، فأقَرّ أَنَّهُ كتبه مُعْجبًا لَا مُعْتقدًا، فأُحرق ذَلِكَ مَعَ كتبٍ بخطّه في الفَلْسفة، وَكَانَ يوما مشهودا وَذَلِكَ في سنة ثمان وثمانين. وسُلّم ما كَانَ بيديه في المدرستين إلى ابن الْجَوْزيّ. ثُمَّ بعد مدّة أعيدتا إليه. ثمّ بعد السّتّمائة رُتِّب عميدا ببَغْدَاد مستوفيا للمكْس وللضّرائب، ومُكّنت يده، وشرعَ في الظُّلم والعَسْف. ثُمَّ بعد مدَّةٍ حُبس وغُرّم وخمل. سَمِعَ من أَحْمَد بن المُقَرَّب، ومن جَدّه. ولم يُحدّث بشيءٍ. وَكَانَ لطيف الْأخلاق، ظريفا، إلّا أَنَّهُ فاسد العقيدة. عاش ثلاثا وستّين سنة [٢] .


[١] في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٥٧١.
[٢] وقال ابن الأثير: وكان يتّهم بمذهب الفلاسفة، حتى إنه رأى أبوه يوما عليه قميصا بخاريا، فقال:
ما هذا القميص؟ فقال: بخاريّ. فقال أبوه: هذا عجب! ما زلنا نسمع: مسلم والبخاري، وأما كافر والبخاريّ فما سمعنا. وأخذت كتبه قبل موته بعدّة سنين، وأظهرت في ملإ من الناس، ورئي فيها من تبخير النجوم ومخاطبته زحل بالإلهيّة، وغير ذلك من الكفريات، ثم أحرقت بباب العامّة، وحبس ثم أفرج عنه بشفاعة أبيه، واستعمل بعد ذلك. (الكامل ١٢/ ٣٠٥) .