للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَمِعْتُ أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن إسْمَاعِيل يَقُولُ: رَأَيْت الشرف أَحْمَد في النّوم بعد موته بأيام فَقُلْتُ: كيف أَنْتَ؟ أظنّه قَالَ: بخير. قُلْتُ: فما مُتَّ ودفنّاك؟ قَالَ: أفما يُحيي اللَّه الموتى؟ فَقُلْتُ: بلى. ثُمَّ ذكر لَهُ مناماتٍ أُخر من هَذَا النّوع.

وَقَالَ: أنشدنا شيخُنا موفّق الدّين لنفسه:

مات المُحِبُّ وماتَ العزُّ والشَّرفُ [١] ... أئِمَّةٌ سادةٌ ما منهمُ خَلَفُ

كانوا أئمة عِلْمٍ يُستضاءُ بهم ... لَهْفي عَلَى فقدهم لو يَنْفعُ اللَّهفُ

ما ودّعوني غداةَ البَيْنِ إِذْ رحلوا ... بل أوْدَعوا قلبي للأحزانِ وانصرفوا

شيَّعتُهم ودُمُوعُ العينِ واكِفَةٌ ... لبيْنِهم وفؤادي حشْوُه أسفُ

أُكَفْكِفُ الدَّمعَ من عيني فيغْلِبُني ... وأحصرُ الصَّبر في قلبي فلا يقفُ

وَقُلْتُ: رُدُّوا سلامي أوقِفوا نَفَسًا ... رِفقًا بقلبي فما ردّوا ولا وقفوا

ولم يعوجوا عَلَى صَبٍّ بهم دنفٌ ... يَخْشى عَلَيْهِ لِما قد مسَّه التَّلفُ

أحْبابَ قلبي ما هَذَا بعادَتِكم ... ما كنتُ أعهدُ هَذَا منك يا شَرَفُ [٢]

بل كنتَ تُعظمُ تبْجيلي ومنزلتي ... وكُنتَ تُكْرمُني فوقَ الَّذِي أصِفُ

وكنتَ عَوْنًا لنا في كلّ نازلةٍ ... تظلُّ أحشاؤُنا من هَمِّها تجفُ

وكنتَ ترعى حقوقَ النَّاس كُلّهمُ ... من كنت تعرفُ أَوْ من لست تعْترفُ

وَكَانَ جودُك مَبْذولًا لِطالبهِ ... جُنْحَ اللَّيالي إِذَا ما أظلم السّدَفُ

ولِلْغَريبِ الَّذِي قد مسَّهُ سَغَبٌ ... وللمريض الَّذِي أشفى بِهِ الدَّنَفُ

وكنتَ عَوْنًا لِمسكينٍ وأرْملةٍ ... وطالبٍ حاجة قد جاءَ يلتهِفُ

وقَالَ الصّلاح مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن خلف:

عزَّ العزاء وبان الصّبر والجلد ... لمّا نأت دار من تهوى وقد بعدوا


[١] يشير موفق الدين هنا إلى وفاة ثلاثة من المقادسة في هذا العام وهم: محب الدّين إسماعيل بن عمر، وعز الدّين محمد ابن الحافظ عبد الغني، وشرف الدين أحمد هذا. وسيأتي ذكر الآخرين في موضعهما من وفيات هذه السنة. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة ٢/ ٩٣.
[٢] يعني: شرف الدين أحمد صاحب هذه الترجمة.