قَالَ: وَكَانَ يُفتح عَلَيْهِ من الْأدعية شيء ما سَمِعْتُهُ من غيره قطّ، وجرى بيننا ذكر إجابة الدّعاء، فَقَالَ: ما رَأَيْت مثل هَذَا الدّعاء، أَوْ قَالَ: أسرع إجابة: «يا اللَّه يا اللَّه أَنْتَ اللَّه، بلى، واللَّه أَنْتَ، لَا إله إِلَّا أَنْتَ، اللَّه اللَّه اللَّه اللَّه إِنَّهُ لَا إله إِلَّا اللَّه» .
ومن دعائه المشهور:«اللَّهمّ اغفر لأقسانا قلبا، وأكبرنا ذنبا، وأثقلنا ظهرا، وأعظمنا جُرمًا، وأقلّنا حياء منك، ووفاء بعهدك، وأكثرنا تخليطا وتفريطا، وتقصيرا، وتعثيرا، وتسويفا، وطول أمل مَعَ قُرب أجل، وسوء عمل» . وَكَانَ يدعو:«يا دليل الحيارى دلّنا عَلَى طريق الصَّادقين، واجعلنا من عبادك الصَّالحين، واجذبنا إليك جَذْبة حَتَّى نموتَ عليها، وأصلح ما بيننا وبينك، ولا تمقُتنا، وإن كُنْت مقتَّنا، فاغفر لنا، ولا تُسقطنا من عينك، يا كريم» .
ومن ورعه، كَانَ إذا أفتى في مسألة يحترز فيها احترازا كثيرا. وَسَمِعْتُ عن بعض الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ كَانَ يتعجّب من فتاويه ومن كثرة احترازه فيها. وَكَانَ إِذَا أخذ من لحيته شَعرةً، أَوْ بري قلما، احتفظ بذلك، ولا يدعه في المسجد ويُخرجه.
سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّزَّاق بْن هبة اللَّه قَالَ: سَمِعْتُ الشَّيْخ عَبْد اللَّه البطائحيّ يَقُولُ: أشكلت عَليّ مسألة في الوَرَع، فما وجدت من أفتاني فيها إِلَّا العِماد.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا دخل الخلاء فنَسِيَ أن يُسَمّي، خرج فسمّى ثُمَّ دخل.
وأمّا زُهده، فما أعلم أَنَّهُ قطّ أدخل نفسه في شيء من أمر الدُّنْيَا، ولا تعرَّض لها، ولا نافس فيها. وقد كَانَ يُفْتح لأصحابنا بعض الْأوقات بشيء فما أعلم أَنَّهُ حضر يوما قطُّ عندهم في شيء من ذَلِكَ، وما علمتُ أَنَّهُ دخل إلى عند سلطان ولا والٍ، ولا تعرّف بأحدٍ منهم، ولا كانت لَهُ رغبة في ذَلِكَ.
وَكَانَ قويّا في أمر اللَّه، ضعيفا في بَدَنِهِ، لَا تأخذه في اللَّه لومة لائم.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لرجل: كيف وَلَدك؟ قَالَ: يُقبّل يدك. فَقَالَ: لَا تكذب! وَكَانَ كثير الْأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. لَا يرى أحدا يسيء صلاته إِلَّا قَالَ لَهُ وعلّمَهُ. وبلغني أَنَّهُ خرج مرَّةً إلى فُسّاق، فكسر ما معهم، فضربوه، ونالوا منه، حَتَّى غُشي عَلَيْهِ، فأراد الوالي ضربهم، فَقَالَ: إن تابوا ولِزموا الصَّلَاة فلا تؤذهم، وهم في حِلٍّ. فتابوا، ورجعوا عمّا كانوا عَلَيْهِ.