سَمِعْتُ شيخنا مُوَفَّق الدّين قَالَ: من عُمري أعرفه- يعني العماد- وَكَانَ بيتنا قريبا من بيتهم- يعني في أرض القدس- ولمّا جئنا إلى هنا فما افترقنا إِلَّا أن يسافر، ما عرفت أَنَّهُ عصى اللَّه معصية.
سَمِعْتُ والدي يَقُولُ: أَنَا أعرف العماد من صغره، وما أعرف لَهُ صَبْوةً ولا جهلة.
وذكر شيخنا أو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بن عيسى البزوريّ الواعظُ [١] شيخَنَا عمادَ الدّين في طبقات أصحاب ابن المنِّي، فَقَالَ: فقهَ، وبرعَ، وكملَ، وجمعَ بين العلم والعمل، أحد الورعين الزُّهاد، وصاحبُ ليلٍ واجتهاد، متواضعٌ، صَلِفٌ، ظريفٌ. قرأ القرآن بالقراءات، وَلَهُ المعرفة الحسنة بالحديث، مَعَ كثرة السَّماع، واليد الباسطة في الفرائض، والنَّحْو، إلى غير ذَلِكَ من الفضائل، لَهُ الخطُّ المليح المشرق بنور التّقوى.
ولَيْسَ للَّه بمُسْتَنكَرٍ ... أنْ يجمعَ العالم في واحِدِ
هَذَا مَعَ طيب الْأخلاق، وحُسن العشرة، فما ذاق فم المودَّة أعذب من أخلاقه، فسبحان من صبّرني عَلَى فراقه.
سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا إِبْرَاهِيم محاسن بن عَبْد الملك التَّنُوخِيّ يَقُولُ: كَانَ الشَّيْخ العماد جوهرة العَصْر.
قَالَ الضِّيَاء: أعرف وَأَنَا صغير أَنَّ جميعَ مَنْ كَانَ في الجبل يتعلَّم القرآن كَانَ يقرأ عَلَيْهِ، وخَتَّمَ جماعة من أصحابنا، وَكَانَ لَهُ صبر عظيم عَلَى من يقرأ عَلَيْهِ.
سَمِعْتُ بعضهم يَقُولُ: إِنَّ مَنْ قرأ عَلَى الشَّيْخ العِماد لَا ينسى الختمة أبدا. وَكَانَ يتألّف النَّاس، ويلطُف بالغُرباء والمساكين، حَتَّى صار من تلاميذه جماعةٌ من الْأكراد والعرب والعجم، وكان يتفقّدهم ويطعمهم ما أمكنه. ولقد صحبه جماعةٌ من أنواع المذاهب، فرجعوا عن مذاهبهم لِما شاهدوا منه. وكان سخيّا جوادا،
[١] تقدمت ترجمته في الطبقة السابقة في وفيات سنة ٦٠٤ هـ. وهو من شيوخ الضياء صاحب الكلام هنا.