صوت طنبور، فَلَمَّا وصلنا إلى عند صاحبه، قَالَ الشَّيْخ: لَا حول ولا قوة إِلَّا باللَّه، ونفض كُمّه، فرأيت صاحب الطّنبور قد وقع وانكسر الطّنبور، فَقِيلَ لصاحبه: أيش بك أيش جرى عليك؟ فَقَالَ: ما أدري.
سَمِعْتُ عَبَّاس بن عَبْد الدّائم الكَتّاني يَقُولُ: كُنْت يوما مَعَ العماد في مقابر الشُّهداء، فرجعنا وَأَنَا خلفه، فَقُلْتُ في نفسي: اللَّهمّ إنّي أحبّه فيك، فاجعلني رفيقه في الجنَّة. قَالَ: فالتفتَ إليَّ وَقَالَ: إِذَا لم تكن المحبَّة للَّه فما تنفع شيئا، أَوْ كما قَالَ.
تُوُفِّي العماد- رحمة اللَّه عَلَيْهِ- عشاء الآخرة ليلة الخميس السادس عشر من ذي القِعْدَة، وَكَانَ صلّى تِلْكَ اللّيلة المغرب بالجامع، ثُمَّ مضى إلى البيت، وَكَانَ صائما، فأفطر عَلَى شيءٍ يسير. وَلَمَّا أُخرجت جنازته اجتمع خلْقٌ، فما رأيت الجامع إلّا كأنه يوم الْجُمُعة من كثرة الخلق، وصلّى عليه شيخُنا مُوَفَّق الدّين.
وكان المعتمد يطرد النَّاسَ عَنْه، وإلّا كانوا من كثرة من يتبرّك بِهِ يخرقون الكفن، وازدحموا حَتَّى كادَ بعض النَّاس أن يهلك، وخرجَ إلى الجبل خلقٌ كثيرٌ، وما رَأَيْت جنازة قطُّ أكثر خلْقًا منها، خرج القَضاة والعُدول، ومن لَا نعرفُهم. وحُكيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جاءه الموت جعل يَقُولُ:«يا حيُّ يا قَيومُ لَا إله إلَّا أَنْتَ، برحمتك أستغيث فأغثني» ، واستقبل القبلة، وتشهّد، ومات.
قال: وتزوّج أربع نسوة، واحدة بعد واحدة، منهنّ خديجة بنت الشَّيْخ أَبِي عُمَر، وآخرهن عزيَّة بنت عَبْد الباقي بن عَليّ الدِّمَشْقِيّ، فولدت لَهُ القاضي شمس الدّين مُحَمَّدًا قاضي مِصْر، والعماد أحمد ابن العماد.
وَسَمِعْتُ التَّقيّ أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد الغنيّ، قَالَ: رَأَيْت الشَّيْخ العماد في النّوم عَلَى حِصان، فَقُلْتُ لَهُ: يا سيّدي، إلى أَيْنَ؟ قَالَ: أزورُ الْجَبّار. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ الحَسَن بن جَعْفَر الأصبهانيّ يَقُولُ: رَأَيْت العماد في النَّوم، فَقُلْتُ:
ما فعل اللَّه بك؟ فَقَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ ٣٦: ٢٦- ٢٧ [١] .