للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجزيرة، وَالشَّام وَمِصْر، واليمن. وَكَانَ خليقا بالمُلك، حسن التّدبير، حليما، صفوحا، مُجاهدًا، عفيفا، ديّنا، متصدّقا، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر طهَّرَ جميع ولايته من الخُمور، والخواطئ، والمُكُوس، والمظالم. كذا قَالَ أَبُو المُظَفَّر والعهدة في هذه المجازفة عَلَيْهِ.

قَالَ: وَكَانَ الحاصل من جهة ذَلِكَ بدمشق خصوصا مائة ألف دينار، فأبطل الجميع للَّه، وأعانه عَلَى ذَلِكَ واليه المُعْتَمد. وفعل في غلاء مِصْر عُقيب موت العزيز ما لم يفعله غيره. كان يخرج باللّيل ومعه الْأموال فيفرّقها، ولولاه لمات النَّاس كلّهم. وكفَّى في تلك السنة ثلاثمائة ألف نفس من الغُرباء.

قُلْتُ: هَذَا خسف من لَا يتّقي اللَّه فيما يقوله.

قَالَ ابن خَلِّكان [١] : وَلَمَّا ملك صلاح الدِّين حلب في صفر سنة تسع وسبعين، أعطاها للعادل، فانتقل إليها في رمضان، ثُمَّ نزل عَنْهَا في سنة اثنتين وثمانين للملك الظّاهر، فأعطاه صلاح الدِّين الكَرَك. وقضاياه مشهورة مَعَ الْأفضل والعزيز. وآخر الْأمر استقلّ بمملكة الدّيار المصريّة. ودخل القاهرة في ربيع الآخر سنة ستٍّ وتسعين، وملك معها البلاد الشاميّة والشرقيّة، وصَفَت لَهُ الدُّنْيَا. ثُمَّ ملك اليمن سنة اثنتي عشرة وستمائة. وسيّر إليها وُلِدَ ولده الملك المسعود صلاح الدّين يوسف المنعوت بأقسيس ابن الكامل. وَكَانَ ولده نجم الدِّين الملك الْأوحد ينوب عَنْهُ بميّافارقين، فاستولى عَلَى خِلاط، وبلاد أرمينية في سنة أربع وستمائة. وَلَمَّا تمهدت لَهُ البلاد، قسّمها بين أولاده: الكامل، والمُعَظَّم، والْأشرف. وَكَانَ عِظمُ ملكه، وجميل سيرته، وحُسن عقيدته، ووفور دينه، وحزمه، وميله إلى العُلَمَاء مشهورا، حَتَّى صنَّف لَهُ فخرُ الدِّين الرَّازِيّ كتاب «تأسيس التّقديس» وسيَّره إليه من خُرَاسَان. وَلَمَّا قسّم الممالك بين أولاده كَانَ يتردّد بينهم، وينتقل من مملكة إلى أخرى، وَكَانَ في الغالب يصيّف بالشام، ويُشتي بالدّيار المصرية.


[١] في وفيات الأعيان: ٥/ ٧٥- ٧٨ بتصرف واختصار.